المنبرالحر

حين ذبحت أحلامنا / سعاد الكناني

تدفعنا الظروف القائمة الى التفكير في ما كان، وما آل اليه الانسان في هذا الزمن الأعمى، وهو يجد نفسه في متاهة لا يعرف لها حدودا او نهاية..
وقمة المأساة أن يجد الانسان نفسه منسيا في وطنه، مهملا بين ناسه، محاربا بقسوة من مسوخ بشرية لا تفقه معنى الجمال والحب.
في صغرنا كنا دائما ما نقبل في درس الرسم على رسم الشمس مشرقة في زاوية الورقة، والأبتسامة لا تفارقها .. ونرسم كوخا وسط بستان على حافة نهر .. وطيورا تحلق هنا وهناك. واتذكر انني كنت ابالغ برسم الطيور، ابدأها بسرب ينطلق من قرص الشمس ويصل الى الكوخ. مما جعل معلمة الرسم تبتسم ذات مرة وتقول "زين وصلن للكوخ ,ايطيرن بعد حماوة الشمس". كانت تلك الرسوم تعكس صفاء روحنا وجمالها, كنا نرى جمال هذه الأشياء من زاوية بحجم طفولتنا.
تكررت تلك الرسوم عند أكثر الطلاب ان لم اقل عندهم جميعا. ولا انكر امنية بقيت حبيسة في داخل: ان نعيش في مثل هذا الكوخ، عند ضفة ذلك النهر, حيث ترسو هذه الزوارق.
في مرحلة الدراسة المتوسطة تفننت في رسم الزهور والأشجار وكل ما هو جميل. كنا نبحث عن لمسة الجمال في كل تفاصيل يومنا. لم يكن يعكر صفونا شيء, وكنت انا في اعماقي احب الهدوء والجمال في كل شيء.
ومرت السنوات، وتلاشى الكوخ، وجف النهر، وطيورنا تشتتت ..
ايام الحرب مع ايران تغيرت رسوم الطلاب، صارت تطغي عليها الدبابات والاسلحة والجنود..كنت انظر فيها متوجسة: هي بداية النهاية؟
لم اكن ارى في رسوم القريبين مني شيئا يوحي بالجمال .. كان كل ما أراه معارك وقتال..
بدأت الحياة تأخذ منحى آخر ..العنف ..الحرب ..القتل ..الحصار. وبدأت الرسوم مثل الحياة تفيض حزنا"رماديا"..
الانسان راح يفقد تفاصيل حياته الحلوة.. فقد صودرت احلامه وافكاره وحريته واسلوب حياته وحتى مذهبه ..
والأنكى (وهذا ما يعتصر القلب ويصعب احتماله) صودرت انسانيته..
هكذا ذبحت احلامنا، ودفنت، الى أجل ..