المنبرالحر

حِينَ تضْطرَّ الى التندَّرِعَلَى نَفْسك! / يوسف أبو الفوز

بشكل ما، اغاضني الامر، كوني وجدت نفسي مادة للتندر وأطلاق الضحكات من حولي. والذي أغاضني أكثر ان زوجتي هي من وضعتني في هذا الموقف. حاول صديقي الصدوق أَبو سُكينة ان يخفف الامر، وربط ما حصل معي بحوادث وطرائف أخرى، لكن أَبو جَلِيل وجدها فرصة ليتشفى بي بضحكاته المجلجلة. ولكوني «صرت قاب قوسين أو ادنى من الزعل « ـ كما قال لي جَلِيل ـ ، ما جعله يتدخل، ويلوي الحديث ببراعة، عن وقائع الموت التي تنتشر على بقعة وطننا الذي يمر بواحدة من أحلك فتراته، ما يجعل هويات الموت تختلط فتضيع التفاصيل. فمن جانب نجد الارهابيين الدواع?، ينثرون الموت من حولهم، وبدون ذمة وضمير، باعتبار ذلك رسالة لدولتهم التي يريدون تأسيسها بالأكراه والذبح ومصادرة أي رأي مغاير ، ورغم كل ذلك ، فان المقاتلين الابطال يواصلون تسجيل صفحات ناصعة من التصدي لاعداء الحياة ممن يتسترون بالدين، وجثامين الشهداء الابطال من عموم القوات المسلحة، تصل الى كل المحافظات ، شمالا وجنوبا . ومن جانب آخر وبسبب سوء الخدمات الصحية وعموم الخدمات، وتردي الاحوال المعيشية ، فان سوق الموت يبقى رائجا .. « فلا عجب ان يكون الموت في كل مكان» كما قال جَلِيل . لكن كل هذا لم ينفع ، إذ عاد أَبوجَلِيل، ليطلق ضحكاته من جديد، ووجدت ان الافضل لي ان اشاركهم الضحك والتندر على نفسي، ليكون الامر مجرد حادث عابر ولا يكون قصة تلتصق باسمي وتروى كل مرة .
وببساطة، حدث الامر حين علمت زوجتي من صديقة لها، ان بعض المعارف والاصدقاء سيتوجهون معا، في قافلة من عدة سيارات لتعزية عائلة احد معارفنا في مدينة أخرى. ولكون سيارتنا لا تقاوم السير مسافات طويلة، بادرت زوجتي وسألت ان كان ثمة مقعد لي لاشاركهم رحلة التعزية. اخبرتني زوجتي عن الفكرة، فوافقت فورا على الالتحاق بالقافلة. فالعائلة المعنية تربطنا بهم علاقات طيبة ومن الواجب ان نشاركهم احزانهم. لم أسأل عن بعض التفاصيل، ورحت اجتهد لتهيئة نفسي ليوم السفر، وانشغلت بالاتصالات لألغاء بعض المواعيد، وانجاز بعض المهمات. وفي صبا? يوم السفر الى التعزية، نهضت مبكرا، وزوجتي لا تزال تغط في نومها، وتوجهت الى مكان اللقاء الذي حددوه لي لألتحق بالموكب المتوجه الى التعزية. قبل وصولي مكان اللقاء بدقائق خطر في بالي سؤال، جعلني اتصل هاتفيا بزوجتي، واوقظها من النوم وأسالها: من المتوفى، ما أسمه، وكيف مات؟!
وقبل ان تجيبني زوجتي غرقت بالضحك : انت ذاهب الى تعزية ولا تعرف شيئا عن هوية الميت؟
وانتقلت ضحكاتها الى (أَبُو جَلِيل) والبقية ، بعد ان عرفوا منها التفاصيل!