المنبرالحر

إحساس بالأمان.. إحساس بالتقاعد! / قيس قاسم العجرش

التقاعد هو ميناء النهاية في مسيرة الفرد العامل حين تأخذ الطبيعة دورها ويتراجع الأداء الجسماني والعقلي للإنسان، ويصبح عندها غير قادر على العطاء مثل السابق في بداية رحلة عمره الكادح. وبالتالي يكون ما ادخره لهذا اليوم سنداً له بلا منّة من أحد، على أن تكون الدولة والقوانين هي الضامن للتنفيذ.
وفي العادة تكون أموال التقاعد استقطاعات شهرية من أصل رواتب العاملين، لكن تغيّر العهد والأنظمة وانقلاب الإقتصاد الوطني الف مرّة، جعل الدراهم والدنانير التي استقطعت من العامل (الموظف) قبل أربعين عاماً ليست ذات قيمة كبيرة اليوم، إذا احتسبناها ارقاماً فقط وأهملنا القيمة.
هذا الفارق في القيمة السعرية للاستقطاع بين الأمس واليوم يجب ألا يتحول الى عقوبة تسقط على رأس المتقاعد.
وباستثناء الحديث عن قوانين تنظيم المحاكم، يخلو دستورنا من ذكر كلمة (تقاعد!) .
لكن المادة الدستورية (22) أولاً تنص بصراحة على ان «العمل حقٌ لكل العراقيين بما يضمن لهم حياةً كريمةً»...وكلمة حق تعني أن الدولة هي الضامن الحصري لتنفيذ وإيصال هذا الحق.
كما إن الدستور حين يتحدث عن»الكرامة» فهي وصف متساوٍ لجميع العراقيين، من طبقة السادة النواب او السادة المسؤولين ذوي الحمايات أو من طبقة العامّة الذين عليهم أن ينتخبوا أولئك السادة مرّة كل أربع سنوات. وبالتأكيد فإن معنى»الكرامة» لا يختلف بين الطبقتين، لكن التقاعد هو الذي يختلف!
وفي بلد متذبذب الأحوال والطقس والإقتصاد مثل العراق، يأخذ هاجس الخوف من الغد مساحة كبيرة من تفكير الإنسان، لهذا كان المسؤولون أسرع الناس الى ضمان غدهم بالتقاعد المريح وعملوا على إسكات هذا الصوت الخائف لديهم من المجهول. محقّون هم حين يخافون بالتأكيد، لكن الناس المسحوقين لهم مخاوفهم أيضاً التي لا تهدأ مثل حال بلدنا بالضبط.
التقاعد في العراق، وسيلة لتنظيم هذا الخوف، معظم المتقاعدين لم يجدوا فيه تأمينأً لرعبهم من الغد الذي كانوا يعيشونه على مرّ السنوات السابقة، لكن لا حيلة بين أيديهم سوى أن ينالوا هذا القليل من بلدهم القاسي والسيئ الحظ في آن واحد.
لو كانت أموال التنمية قد صُرفت في أشكالها الصحيحة، لما اضطر المتقاعد المسكين الى أن يصرف بعد هذا العمر من تقاعده على الإستثناءات، وأعني فاتورة الكهرباء الإضافية وفاتورة مصاعب الحياة غير الطبيعية وفاتورة كل الخدمات التي هي دون المستوى المطلوب..
التقاعد هو أدنى مستويات الأمن في العراق فلا تزاحموا المتقاعدين على باقي عملهم وكدّهم.