المنبرالحر

أمريكا تجيد الضحك على الذقون / مرتضى عبد الحميد

بعد إقرار لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي مشروع «مارك ثورنيبيري» الوقح، والمثير للجدل، بتسليح بعض المكونات العراقية («السنة» والأكراد) مباشرة، وبمعزل عن الحكومة العراقية. أي التعامل مع الطرفين، كما لو أنهما دولتان مستقلتان، رغم النفي الباهت من جانب المسؤولين أمريكيين، والذي جاء بهدف امتصاص النقمة والتخفيف من الصدمة التي أصيب بها اغلب العراقيين، مع وجود نفر طبل ورمز لهذا المشروع ألتقسيمي، ممن لايرون ابعد من أرنبة أنوفهم، ولاتهمهم غير مصالحهم الذاتية.
أن هذا المشروع المعادي لوحدة العراق شعبا ووطنا، لا يحتاج إلى كبير عناء لمعرفة النوايا الحقيقية وراءه، والهادفة إلى دق إسفين جديد في النسيج الوطني والاجتماعي العراقي، وفي اللحمة الوطنية المثخنة بالجراح أصلا.
لكن المضحك المبكي أن هذا الانتهاك الصارخ للسيادة الوطنية قابله طلب الأمريكان موافقة الحكومة العراقية للقيام بعملية عسكرية نوعية في «دير الزور» وهي مدينة سورية! أسفرت عن قتل احد عتاة المجرمين الدواعش «أبو سياف». فهل كانت نية الأمريكان التخفيف من معاناة الشعب العراقي بهذه المسرحية الهزلية؟
ثمة مشهد آخر لا يقل هزلية، هو التناقض الفاضح في تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين، فهذا وزير الدفاع الأمريكي «اشتون كارتر» يصرح بثقة يحسد عليها، ان القوات العراقية تفتقر إلى إرادة القتال، وانها فشلت في تحقيق النصر في الرمادي، على الرغم من أنها الرقم الأكبر من حيث العدة والعدد مقارنة بتنظيم داعش.
ثم جاءت محاولة تلطيف الأجواء في مكالمة هاتفية، من صاحب براءة الاختراع في تقسيم العراق «جو بايدن» حيث دعا وبكلمات ناعمة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى تجاوز تصريحات «كارتر» القاسية، مؤكداً دعم الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة العراقية في قتالها ضد تنظيم داعش الإرهابي. كما عبر عن تقديره للتضحيات الكبيرة التي قدمتها القوات العراقية، والشجاعة التي أظهرتها على مدى الأشهر الثمانية عشرة الماضية في الرمادي وغيرها من المناطق!
«ما حكَّ جلدك مثل ظفرك» هذا المثل الشعبي الذي ينضح حكمة، ويختزن خبرة متراكمة في شتى ميادين الحياة، متى يستوعبه سياسيونا، والمتنفذون في إدارة شؤون بلدنا؟ فيتصرفون تصرف الحريص على مصلحة شعبه ووطنه، بل ومصلحته الشخصية أيضا، لان انهيار التجربة سيكون خسارة للجميع، ولا يربح منه غير من يسعى إلى إعادة الدكتاتورية، وبأبشع صورها هذه المرة.
أن الضرورة تحتم على الساسة وخاصة المتنفذين منهم، امتلاك إرادة سياسية شجاعة، واستبدال الفكر السياسي العقيم السائد حاليا، بنمط تفكير جديد، يساهم في توحيد الصفوف، وفي البحث عن المشتركات الكثيرة جدا، والتخلي عن مرض العصر» المحاصصة الطائفية» والابتعاد عن التصريحات المجانية، والعدائية، وبالتالي عدم وضع البيض العراقي كله في السلة الأمريكية، ولا في أية سلة أخرى، مهما كانت ألوانها جذابة، وإشكالها مغرية، دون ان يعني ذلك عدم الاستفادة من الدعم والمساعدات المقدمة من هذه الدول مجتمعة أو فرادى.
لنسترجع شيئا من تفكيرنا العقلاني، وقدرتنا على كشف الزيف، وتفويت الفرصة على من يريد الاستمرار في الضحك على الذقون.