المنبرالحر

سلام عادل والنضال المطلبي العمالي / ابراهيم الحريري

كان العمل في الصحيفة العمالية السرية " وحدة العمال " التي كلفني الحزب بتحريرها قد شارف على نهايته: الأبواب, العناوين, التعليقات, حتى الأفتتاحية التي طلب مني كتابتها, ولم يبق الاّ ان ياتي الرفيق الياس حنا كوهاري (ابو طلعت), المكلف بالأتصال بي حتى انعقاد اجتماع المركز الحزبي العمالي, قيد الأنشاء , عندما سمعت قرعا على باب البيت. هرعت لفتحه. كان الرفيق الرائع ابو طلعت على الباب بكل حضوره الهادئ, الباعث على الاطمئنان.
ادخلته الى الصالة, احتسى شايه متمهلا. خلال ذلك كنت احضر مواد الجريدة. وضعتها بين يديه. قرا الأفتتاحية قال بطريقته الهادئة, وبصوت منخفض: عاشت ايدك!.
قبل ان يكمل احتساء شايه. اخرج متمهلا بضع اوراق من الجيب الداخلي لسترته. قال وثغره يفتر عن ابتسامة غامضة حرتُ في تفسيرها قال: اقرأها. ففعلت. كانت تتحدث عن اضراب لعمال شركة ال (آي بي سي) كان بدأ توا: اشارت المقالة الى الأضراب وعدالة مطالب المضربين وذكّرت بامجاد اضراب كاورباغي , والدور الذي لعبه في تطوير النضال المطلبي العمالي وعلى الصعيد الوطني ( ادى الى اسقاط حكومة العمري ) واستشرف آفاق الآضراب الحالي, ودعا الى التضامن العمالي والشعبي معه.
قدمت المقالة لوحة رائعة عن الأضراب في واقعه وفي حركته. كانت المقالة بتوقيع "عمار".
استدار الي ابو طلعت. كان منهمكا في تقليب ما تبقى من مواد الجريدة.سأل وكأن الأمر لا يعنيه كثيرا: ما رايك؟ رائعة " اجبت. تقدم خطوة اخرى: هل تنصح بأن تكون افتتاحية محل الأقتتاحية التي كتبتها؟ بالتأكيد! بالتأكيد! اجبت على الفور. هنا افصح عن هوية الكاتب قبل ان اساله : انه ابو ايمان! كنت حدست ذلك.
عندما هرب ابو ايمان من منفاه في الرمادي , التحق فورا بالحزب. نسبته قيادة الحزب للعمل مسؤولا للمنطقة الجنوبية (تحدثت الرفيقة ام ايمان, ثمينه ناجي (فاطمة) بتفصيل عن ذلك في كتابها المكرس للرفيق سلام عادل " سيرة مناضل " ) كان اول ما اهتم به الرفيق "ابو ايمان" العمل بين العمال في التحشّدات العمالية الكبيرة وفي المقدمة عمال الموانئ. اثمر هذا النشاط خلال فترة وجيزة عن ركيزة حزبية ما لبثت ان قادت اضرابا قمعته حكومة العمري (لا اتذكر ايهما مصطفى ام ارشد) بالرصاص.
هز الأضراب والمجزرة التي جوبه بها, هز العراق باسره. وبات الحدث الأول في يوميات كل الصحف ,انتعشت الحركة السياسية, دب النشاط في اوصال الأحزاب العلنية. ثم سقطت حكومة العمري , وشاع نوع من الأنفراج السياسي النسبي. ولايمكن انكار التأثير البالغ الذي تركه اضراب عمال الموانئ على مجمل الوضع السياسي وقتها, مثله في ذلك مثل اضراب عمال النفط في كركوك عام 946 الذي قاده الشيوعيون وكانت سبقته تظاهرة 28 حزيران من العام نقسه, التي اكتسحت الشارع ولعبا دورا رئيسا في تحول الحزب الى قوة اساسية في الحركة الوطنية العراقية.
فهل كان يسعى الرفيق ابو ايمان (عمار) بعقد الآمال على اضراب عمال النفط في كركوك مطالع عام 1963 ومن ثم تطويره بحيث يحدث انعطافة هامة في الحياة السياسية العراقية؟ والى اي مدى؟
من الصعب الآن الأجابة على هذا السؤال. لكن بعض التدابير التي اتخذتها قيادة الحزب, بما فيها انهاء الصراع داخل القيادة لصالح تعزيز دور الرفيق "ابو ايمان", والرفاق المنسجمين معه, والعمل على تصليب الحياة الحزبية باتخاذ تدابير صارمة ازاء العناصر المتخاذلة والمترددة, وتحريم الوساطات والرشوات لتفادي ملاحقات اجهزة الأمن. واخيرا تعزيز دور المنظمات العمالية في حياة الحزب بانشاء المكتب الحزبي العمالي وربطه بسكرتارية اللجنة المركزية (استدعيت من الموصل للألتحاق به محررا لصحيفة "وحدة العمال", بالاستفادة من خبرتي كمحررللشؤون العمالية في صحيفة " اتحاد الشعب " وعملي في التنظيمات العمالية, لعلّ ذلك يفيد في الخروج باستنتاج مناسب.
يروي رفيق كان قريبا من سلام عادل انه كان في ايامه الاخيرة لا يكاد ينام. كان وهو يرى عزلةْ عبد الكريم قاسم والهّوة التي تقود البلاد اليها, من ناحية, وتفاقم النشاط التآمري, وكان الحزب على اطلاع بكل مجرياته ويُطلع قاسم عليها, كان ابو ايمان يردد: لو نلحك... لو ما نلحك!
يوم السادس من شباط 1963 اجتمع المكتب الحزبي العمالي بقيادة هادي هاشم الأعظمي , وكنت بين من حضر اختير ابو طلعت مساعدا للمسؤول, جرى اطلاع الاجتماع انه سيكون للعمال صحيفتهم الخاصة "وحدة العمال"
عُدّ الأجتماع تمهيديا, ثم انفض.
سارعت للالتحاق باجتماع آخر ( سهرة في بيت نسيبي ورفيقي الشهيد جلال الأوقاتي الذي ختمها بعبارته النّبوئيّة: هال كذا.... راح إيروح ويروّحنه وياه !
بعد يومين اي صباح 8 شباط ستتحقّق نبوءة "جلال" , بفارق انه راح قبل عبد الكريم قاسم،
بعد بضعة ايام سينهار هادي هاشم...
سالتقي عمار ابو ايمان بعد ان كنت التقيته في مقالة تحريضية من طراز رفيع في " وحدة العمال "....التي لم تصدر
ما تلا ذلك اصبح معروفا , داميًا..., جرحًا لا يندملْ