المنبرالحر

افلح إن صدق! / قاسم السنجري

في هذه الأيام، وفي مقبل ايام هذا الاسبوع ينشغل مسؤولون عراقيون، بقطع الفيافي وعبور المحيطات من أجل تمثيل العراق في محافل دولية، للقيام بزيارات رسمية ذات شأن وتأثير سياسي كبير على مستقبل العراق كما تفيد بياناتهم الرسمية بعد كل لقاء أو اجتماع يجمعهم بمسؤولين اوروبيين أو من مختلف دول العالم.
غير أن الملفت في بياناتهم، هو الحديث بشكل عام دون الإدلاء بتفاصيل يمكن أن يستشف منها المواطن العراقي أن من يمثله في السلطة التنفيذية يعمل جاداً على طرح قضايا تمس الوطن وحياة مواطنيه، خاصة وهم يواجهون حرباً شرسة تستوجب تحصيل الدعم من جميع الدول التي تعلن محاربتها للإرهاب. وهذه البيانات اصبحت وكأنها اسقاط فرض وهي تصدر بعبارات جاهزة لا تشبع فضول المراقب السياسي الذي يبحث عن نتائج هذه الزيارات التي يقوم بها مسؤولو الدولة في ظرف اقتصادي صعب للغاية اذا ما علمنا أنها تكلف ميزانية الدولة الكثير من الأموال.
بعد عودة رئيس الوزراء حيدر العبادي من مؤتمر التحالف الدولي في باريس، راجت في الأوساط السياسية احاديث عن دعم مشروط عرضته دول التحالف على حكومة العبادي، الأمر الذي دفع بالمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء إلى اصدار نفي يفند فيه الاحاديث عن شروط فرضت على العبادي في باريس، بالرغم من أن المكتب الإعلامي نفسه اصدر بياناً أجمل فيه نشاطات العبادي واجزاء من احاديثه ومؤتمراته الصحفية.
الأمر غير مقتصر على بيانات المسؤولين "الرحالة" والتي تصدر بطبعات مكرورة، بل تشمل ردود وزراء ومسؤولين في الدولة يسارعون إلى تكذيب انباء بشأن وزاراتهم أو مؤسساتهم التي يقومون بإدارتها، ومن ثم يتضح أن ما راج من أنباء حول موضوع معين هو أمر واقع وحقيقي وما تكذيب هذه المؤسسة أو تلك ليس إلا ذر رماد في عيون الناس لتضليلهم. قبل أيام تناقلت وسائل إعلام ووكالات محلية، نبأ عن اضراب طيارين عراقيين يتدربون على طائرات الـ"F16 " في العاصمة الاردنية عمّان بدعوى تأخر صرف رواتبهم لعدة أشهر. فما كان من وزارة الدفاع إلا أن تسا?ع إلى نفي الخبر وتجزم بعدم صحته، وتؤكد أن لا وجود لتأخر في صرف رواتب طياري الـ"F16 ". وانا كمراقب صحفي، تصورت أن الأمر جزء من حملة للإضرار بوزير الدفاع، ولكن أن أمس يخرج بيان آخر لوزارة الدفاع يعلن أن الوزارة ستقوم بحل مشكلة رواتب الطيارين وأن الوزير أوعز بصرف رواتبهم، فهذا يجعل كل مراقب سياسي وصحفي لا يثق بكل ما تقوله الحكومة ومؤسساتها، ويبقى يلاحق الشائعات ويجعلها جزءاً من مصادره في الحصول على المعلومة وبناء الخبر والتحليل.
مما يؤسف له أن المشهد السياسي العراقي يشكل "عدم الثقة" الحجر الأساس في التعامل بين قواه السياسية، وعدم الثقة سيتحول ايضا إلى العاملين في فلك هذا المشهد من مراقبين وصحفيين لينتقل إلى المواطن الذي سيفقد الثقة مطلقاً بحكومة لا تصارحه بأمور تمس حياته اقتصادياً وأمنياً، وسنردد جميعا: افلحوا إن صدقوا، وأخشى ألا يصدقوا!