المنبرالحر

امريكا.. وجرائم العالم / الفريد سمعان

لا احد يساوره الشك بان امريكا.. هي القوة العظمى في العالم مع بعض التحفظات التي لم تعد خافية.. وهو وجود دولة كبرى أخرى اسمها روسيا التي كانت مع دول اخرى تسمى الاتحاد السوفيتي الذي كان يشكل (بعبعاً) حقيقيا.. قال لامريكا اكثر من مرة لست وحدك في الساحة فعلى ارض السوفيات، انهارت قوى هتلر النازية، التي تهاوت امجادها في قلب برلين وارتفع العلم الاحمر فوق الرايخشتاغ مجلس الامجاد النازية، الذي تهاوى تحت ضربات الجنود السوفيت بعد خسائر رهيبة تحملها الاتحاد السوفيتي العظيم الذي تساقط من ابنائه سبعة وعشرون مليون انسان وتعرضت للدمار الشامل والجزئي اكثر من مائة الف مدينة، صغيرة وكبيرة اضافة لما تعرضت له الدول الاوربية من مآسٍ. وكان لامريكا ودول الحلفاء دور في اسقاط النازية لا ينكر.
لكن ما جرى ويجري الان خيب آمال العالم.. كل شعوب العالم التي حصلت على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها ظلت مضطرة للارتباط بالدول التي كانت تستعمرها. فقد اقامت الحكومة البريطانية، دولة الكومنولث وعقدت معاهدات وثقت الارتباط، وكذلك فرنسا عقدت معاهدات عدة، وظلت افريقيا، الخزان الرهيب للمواد الاولية واليد العاملة الرخيصة تحت سطوة الدول الاستعمارية وعندما تحركت وتشكلت دول العالم الثالث عملت دول الاستعمار المستحيل من اجل ابقائها ذليلة. متخلفة، وكانت ترى في الاتحاد السوفياتي العدو الاكبر لانه دعم الشعوب في البلدان النامية والشواهد كثيرة. مثل بناء السد العالي في مصر، واعطاء القروض للعديد من الدول النامية والخبرات العلمية وترويض المواد الاولية المتوفرة في الكونغو بلد الذهب والماس، او دعم مدغشقر ذات الغابات الكثيفة الفقيرة والحبشة وكينيا حيث تشكلت انظمة تقدمية وظلت جنوب افريقا مقراً بريطانيا للتجسس واقلاق راحة واقتصاد الدول الصغيرة الحديثة.. ولم تعمل الدول الكبرى على (تطوير) هذه البلدان.. وبقي بلد مثل الهند القارة العظيمة مرتبطة اقتصاديا بانكلترا التي ما غابت الشمس عن مستعمراتها لأعوام طويلة كما بقيت بلدان صغيرة مثل البرتغال وهولندا التي لا تساوي مساحتها واحداً في المئة من مساحة اندونيسيا تتحكم في هذه البلدان. وعملت فرنسا وبالتالي امريكا من اجل الابقاء على فيتنام تحت سلطتها ولكنها فشلت في اخضاعها والانسحاب منها (بمذلة) بعد الخسائر البشرية والاقتصادية الرهيبة التي تعرضت لها فيتنام البطلة، التي ساعدها الاتحاد السوفياتي والصين التي ارغمت انصار امريكا بقيادة شيان كاي شيك على الانسحاب وترك اثاراً جبارة في تشكيل دول العالم حيث بدأ نموها الاقتصادي الهائل الذي اصبح المركز الثاني عالميا. واصبحت لها علاقات واسعة مع كافة بلدان العالم في افريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية.. كما وقفت (كوبا) الصغيرة المساحة المحدودة بعدد سكانها في مواجهة (جارتها) الكبرى امريكا وصمدت حتى يومنا هذا رغم انف هذه الجارة (الاقوى في العالم) كما كان لدول امريكا اللاتينية دور كبير في اخراج الرأسمالية. حيث تحررت البرازيل أكبر دول امريكا اللاتينية من معظم قيود الشركات الامريكية وتحركت الحركات الثورية في كولومبيا وفنزويلا والارغواي. وكان صوت (جيفارا) العظيم يحث هذه الدول واصبحت غايات امريكا اللاتينية مواقع خطرة. ونقاط انطلاق ثورية عظيمة. وبعد كل هذا، لم تجد امريكا والدول الاوربية الا الشرق الاوسط مكاناً مناسباً وارضاً هشة للصراع. ولاسيما بعد ان ارتبطت نصف دول اوربا بالاتحاد السوفيتي وبدأت ببناء حياتها الجديدة ومستقبلها. وتنمية اقتصادها فكانت يوغسلافيا التي اتحدت وتخطت مراحل التخلف واصبحت تصدر الاسلحة والخبرة العلمية، مما شكل نقطة رعب وهي في قلب اوربا وكذلك جيكوسلوفاكيا، وبدأت امريكا بتعزيز اقتصاد الدول الموالية لها والتي اصبحت تابعاً. فيما بعد واضطرت دول مثل المانيا وفرنسا وانكلترا الى تأليف حلف الناتو، لضمان مؤيدين لها ومواقع وقواعد جوية. والبنك الدولي للقبض على الرأسمال العالمي وتحقيق نفوذ واسع للدولار، والاستعباد المالي لكل دول العالم.
وقد اثمرت الجهود، فانهار الاتحاد السوفياتي على يد غورباتشوف (والسكير الكبير) يلسن وتساقطت الانظمة الاشتراكية واصبحت دولها (تستجدي) المعونة الاوربية، وتركع لها، وتتوسل لدخول الاطار التجاري، والقبول بكل الشروط المخزية وانتشرت الفوضى والمافيات وبدأت بعض الدول تصدر (العاهرات) بدعوى السكرتيرات الى شتى بقاع العالم الثرية ولاسيما الدول العربية التي بدأت مواقع انتاجها النفطي تزداد.. نموا وانتاجا تحت راية امريكية بثياب عربية.
ان كل ما اشرنا اليه لم يعد ملائماً لامريكا التي لديها مئات القواعد العسكرية في البحار والمحيطات والدول الاوربية.. والنامية واساطيلها تجوب البحار، حاملات الطائرات، البوارج الحربية، المدمرات، الغواصات. واخذت توزع الالقاب، فهذه دول متحضرة واخرى متخلفة، وهذه بلدان لا ترضخ لها ويجب ان ترضخ. وروسيا اصبحت (وحيدة) ويجب الزحف حولها وتطويقها بالقواعد الصاروخية في افغانستان وبولندا وتركيا وكوسوفو، التي حولتها الى دولة اسلامية بائسة، ومرتعاً للمخدرات وتهريبها.. وتعرضت صناعات الدول الاشتراكية السابقة الى اضطهاد اقتصادي وتوزعت الى دويلات صغيرة لكي يسهل ضربها في اية لحظة، فانقسمت يوغسلافيا الى ست دول. وانفصلت جيكيا عن سلوفاكيا، وتوحدت المانيا الغربية والشرقية وعلى هذا المنوال. وحلف الناتو يلعب بهذه الدول وما يتبعها، واصبحت اسرائيل دولة تستطيع ان تضرب اي بلد عربي متى تشاء بالصواريخ الامريكية المحمولة على احدى طائرات امريكية واصبحت دول النفط السعودية، الكويت، قطر، ليبيا، ايران والعراق تحت رحمة الدولار، متى ما ارتفع او انخفض وظهرت (طبقات حاكمة) قذرة.. تحمي النفوذ الامبريالي بازياء طائفية، وعباءات ودشاديش بيضاء نقية وأتيحت امامها فرص شراء الاملاك والفنادق الضخمة واستنزاف اموالها في الاستعداد للحروب (مقبلة) ولا سيما مع اسرائيل وافراغ مخازن القنابل والاسلحة والصواريخ من القديمة الى الجديدة الاكثر تطورا واصبحت سياسة امريكا تعتمد على مؤشرات هامة على الوجه التالي:
1- نشر الذعر والفزع من حركة الطبقة العاملة في العالم وتصاعد نفوذها واتساع نطاقها.
2-اثارة الاضطرابات القبلية، والحزبية بين الدول والمستعمرات، والعمل على تقسيمها الى دول صغيرة يسهل ضربها في اي وقت وباقل الخسائر.
3- انتهاك القيم والمبادئ الدينية وتحويل الصراع من طبقي الى طائفي واثارة القبائل وشق الصفوف وتبني انظمة عميلة ساذجة مهيأة لضرب الشعوب وتقطيع اوصالها وخلق زعامات تافهة.
4- اشعار الدول الصغيرة بالهيمنة والخضوع لها ولحمايتها مما يحيط بها من المخاطر. مثل تسليح الدول العربية الخليجية (بمليارات الدولارات) بدعوى المخاوف المحيطة بها واثارة هذه الدول بالتصريحات والتصرفات الشائنة بخلق حالة من الرعب والفزع الدائم.
5- خلق (شرطي) متسلح بافضل الاسلحة وهي اسرائيل لفرض نفوذها على الدول المحيطة بها و(الحيلولة) دون التوصل الى اتفاق عربي - اسرائيلي وانهاك الدول التي تدعم الحق العربي على يد زعامات متهافتة.
6- صناعة (ربيع عربي) واحلال الاسس الدينية لتشكيل دول وقتل الحركات الثورية والدعوات التي تسعى لها قوى التقدم والعلمانية.
7- ايجاد منظمات ارهابية مثل (داعش) وتوفير كل الاجواء والساحات وضمان تسليحها وفرض نفوذها بالقتل والتدمير وافتعال المواقف التي تخدمها.
8- خلق المتاعب امام الدول وخلق انظمة نازية جديدة كما جرى في اوكرانيا ومقدونيا والشيشان ودول العالم العربي وتدمير قدراتها وامكانياتها الصناعية والتجارية؛ سوريا، ليبيا، العراق، اليمن والوقوف على التل للمراقبة وتوجيه دفة السفينة الى حيث يشاؤون لان بعد التدمير تأتي اعادة الاعمار وهو يكلف مليارات المليارات، ويعرقل حركة التطور الصناعي والتجاري لاسباب عديدة منها افراغ المخازن الامريكية والاوربية من الاسلحة المتراكمة لفسح المجال امام الاجيال الجديدة من الاسلحة وتحويل الحديد المكدس على شكل قنابل وصواريخ وسواها الى دورات لتغطية الصناعات الحربية الجديدة.
9- القاء الرعب في كل بلدان العالم من السطوة الامريكية ومحاولة (ضرب) المنافس الاول وهو روسيا لبسط السيطرة على العالم بهدوء تام.
10- خلق نوع من الذعر والعوض بالصراع الديني حيث تثار الخلافات بين الاديان، وارغام العناصر اللااسلامية على ترك اوطانها والنزوح للبلدان الاوربية ولاسيما التي يتضاءل عدد سكانها لظروف مناخية واقتصادية مثل السويد والنروج وكندا، واحياء الصراع الديني (المتاخي) خلال قرون، مقابل اظهار الدين الاسلامي بغير الصورة الحقيقية فبدلا من المحبة والسلام والتآخي.. يتحول الى القتل والذبح والانتهاك وتشويه صورة الدين واهدافه النبيلة باموال معروفة على يد السعودية وقطر وسواها.
11- اثارة النعرات الطائفية المرعبة ودق اسفين عميق حتى بين دعاة الدين الاسلامي وتحويل الصراع بين الشيعة والسنة وتعميق الخلافات التي وصلت الى اثارة الحروب والقتل والتدمير وخلق منظمات مسلحة. في الاقطار المختلفة بدعوى الدفاع عن النفس تحت قيادات لم تستطع ان تلّم الشمل وتكشف القناع عما يجري من خسائر ودماء ومذابح.
ان السياسة الامريكية والمنظمات التي تأتمر بامرها مثل حلف الناتو والمعاهدات الثنائية والقواعد المبعثرة في شتى بقاع العالم، والتهديدات التي ترتدي ثوب الاعلام المخطط له من قبل دوائر المخابرات واستهداف منابع النفط ونشر التسلط الامريكي بلا قيود، وضمن الاكاذيب والمخططات المرعبة مثل حرب داعش في العراق.. وسوريا والمراوغة في الواقع المرير، حيث تدعي الامبريالية انها ضد داعش، ولكنها لا تقول لنا من الذي خلق طالبان والقاعدة وداعش وجبهة النصرة واحداث بوكو حرام والمنظمات الارهابية في ليبيا واليمن وسواها. ان امريكا وحلف الناتو الذي لا يحل نفسه رغم ان حلف وارشو حل نفسه ورغم تفتيت دول العالم الثالث هو المسؤول الاول والاخير عن ما يجري من قتل ودمار وفيض الدماء التي تسيل وعلى القادة العرب وغير العرب والالتفات لذلك بعيدا عن السرقة والحذلقات.