المنبرالحر

الرأسمالية وعدم المساواة* / ترجمة: د. هاشم نعمة

هيمنت على النقاش السياسي الأخير في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الديمقراطية المتطورة الأخرى قضيتان هما: تنامي التفاوت الاقتصادي وحجم التدخل الحكومي لمعالجته. وقد اظهرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2012 والمعارك المتعلقة بمسألة "حافة الهاوية المالية" بأن القضية المركزية لليسار اليوم تتركز على زيادة الضرائب الحكومية والانفاق، كمقدمة لعكس التفاوت الطبقي المتزايد، في حين تتركز القضية المركزية لليمين على تخفيض الضرائب والانفاق، أوليا لتعزيز الدينامية الاقتصادية. وكل طرف يقلل من شأن أو من قلق مخاوف الطرف الآخر، ويبدو أن كل طرف يعتقد بأن سياساته التي يرغب بتنفيذها هي كفيلة بتعزيز الرخاء والاستقرار الاجتماعي. لكن كلاهما على خطأ.
في الواقع، التفاوت، يزداد في كل مكان من العالم الرأسمالي ما بعد الصناعي. لكن بالرغم من اعتقاد الكثيرين في صفوف اليسار، فإن هذا التفاوت لا ينتج من السياسة، ولا السياسة من المتوقع بمقدورها أن تعكس ذلك، لأن المشكلة ذات جذور أكثر عمقا ومن العسير تعريفها بشكل عام. حيث أن التفاوت يكون نتاجا حتمي للنشاط الرأسمالي، وتوسع تكافؤ الفرص يزيد منه فقط – بسبب من أن بعض الأشخاص والمجموعات يكونون ببساطة قادرين بشكل أفضل من الآخرين على استغلال الفرص للتطور والتقدم الذي توفره الرأسمالية. ورغم ما يعتقده الكثير في صفوف اليمين، فإن مشكلة التفاوت هذه هي مشكلة كل شخص ليس فقط أولئك الأشخاص الذين يعملون بشكل سيء أو أولئك الملتزمون أيديولوجيا بالمساواة- بسبب من أن اليسار إذا لم يعالج، تفاقم التفاوت وعدم الثقة بالاقتصاد فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تأكل النظام الاجتماعي ويولد ردود فعل شعبية عنيفة ضد النظام الرأسمالي ككل.
خلال القرون القليلة الأخيرة، ولّد انتشار الرأسمالية قفزة هائلة في التقدم الإنساني، وأدى إلى ارتفاع مستويات المعيشة بشكل لا يمكن تصوره وإلى تنمية غير مسبوقة لكل انواع الإمكانيات البشرية. ولكن أنتجت الدينامية الفعلية للرأسمالية عدم الأمان جنبا إلى جنب مع إنتاجها للمنافع، ولذلك واجه تقدمها دائما مقاومة. في الواقع، الكثير من التاريخ السياسي والمؤسساتي للمجتمعات الرأسمالية كان قد شهد محاولات لتخفيف أو اخماد الشكاوي من حالة عدم الأمان، لكن فقط كان إنشاء دولة الرفاه الاجتماعي الحديثة في منتصف القرن العشرين، قد مكن الرأسمالية والديمقرطية في النهاية من أن تتعايشا في وئام نسبي.
في العقود الأخيرة، نتج عن التطورات التي حصلت في قطاعات التكنولوجيا، والمال، والتجارة الدولية موجات وأشكال جديدة من عدم الأمان في الاقتصاديات الرأسمالية القائدة، جاعلة الحياة تتسم بعد المساواة ومشكوك فيها بشكل متزايد ليس فقط بالنسبة إلى الطبقات ذات الدخل المنخفض والطبقة العاملة بل يشمل ذلك الكثير من أفراد الطبقة الوسطى كذلك. لقد أنكر اليمين إلى حد كبير وجود المشكلة، في حين طالب اليسار باجتثاثها من خلال العمل الحكومي، وبغض النظر عن التكاليف، فإن كلا النهجين غير قابل للاستمرار أو من غير الممكن تطبيقهما على المدى البعيد. إن الأنظمة السياسة الحاكمة المعاصرة في الدول الرأسمالية تحتاج إلى القبول بفكرة أن التفاوت وعدم الأمان سيستمران كونهما نتيجة حتمية لعمليات السوق، وأن تجد طرق لحماية المواطنين من عواقبهما- في حين تظل الرأسمالية، بصورة من الصور، تحتفظ بالدينامية التي تنتج المنافع الاقتصادية والثقافية الواسعة في المقام الأول.
تسليع وتهذيب
الرأسمالية نظام من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية يتميز بالملكية الخاصة، وتبادل السلع والخدمات بحرية من قبل الأفراد، واستخدام آليات السوق للسيطرة على إنتاج وتوزيع السلع والخدمات. بعض عناصر الرأسمالية كانت موجودة في المجتمعات البشرية منذ عصور، ولكن فقط في القرنين السابع عشر والثامن عشر، برزت الرأسمالية بقوة في أجزاء من أوروبا وفروعها في أمريكا الشمالية. وخلال التاريخ، كانت معظم الأسر تستهلك معظم الأشياء التي تنتجها وتنتج معظم ما تستهلكه. وفقط من هذه النقطة بدأت غالبية السكان في بعض البلدان تشتري معظم الأشياء التي تستهلكها وتفعل ذلك بالعائدات التي تحصل عليها من بيع معظم ما تنتجه.
إن نمو توجه الأسر إلى السوق وما اطلق عليه لاحقا بـ "المجتمع التجاري" ترتبت عليه آثار عميقة في كل أوجه النشاط البشري من الناحية العملية. فقبل الرأسمالية، كانت الحياة تحكم من خلال المؤسسات التقليدية التي همشت اختيارات وقدرات الأفراد إلى بنى طائفية، وسياسية، ودينية مختلفة. وقد أبقت هذه المؤسسات عملية التغيير في اضيق الحدود، ومنعت الناس من تحقيق الكثير من أوجه التقدم ولكن أيضا حمتهم من الكثير من تقلبات الحياة. وقد منح ظهور الرأسمالية الأفراد المزيد من السيطرة والمسؤولية على حياتهم الخاصة من أي وقت مضى- ولكنها قدمت على حد سواء التحرر و الفزع، مما سمح بحدوث كل من التقدم والتراجع.
التسليع – التحول من نشاطات لغرض الاستخدام الخاص إلى نشاطات لغرض البيع في السوق المفتوحة- سمح للناس باستخدام وقتهم بصورة أكثر فعالية، متخصصين في إنتاج ما هو جيد نسبيا وشراء أشياء أخرى من الناس الآخرين. وقد استخدمت الأشكال الجديدة من التجارة والصناعة تقسيم العمل لإنتاج الأدوات المنزلية الشائعة بأسعار رخيصة وأيضا وفرت مجموعة من المنتجات الجديدة. وكانت النتيجة، كما لاحظ المؤرخ جان دي فريس ما يسميه المعاصرون بـ "نهضة الميل إلى العقل"- توسع الاحتياجات الشخصية والنظرة الشخصية الجديدة للضرورات. هذا التوسع المستمر في الاحتياجات كان موضع نقد الرأسمالية من روسو إلى ماركوز باعتباره يمثل سجن البشر في قفص من الرغبات غير الطبيعية. لكن هذا التوسع قد أشاد به أيضا المدافعون عن السوق من فولتير فصاعدا باعتباره يوسع من مدى القدرات البشرية. إذ يمثل من وجهة النظر هذه، تنمية الاحتياجات والضرورات الأسمى والإيفاء بها، جوهر الحضارة.
بسبب من إننا نميل للتفكير في السلع باعتبارها أشياء مادية ملموسة، فنحن كثيرا ما نغفل مدى الإبداع وعلى نحو أكثر التوزيع الرخيص للسلع الثقافية الجديدة التي وسعت نطاق ما يمكن أن يطلق عليه وسائل التثقيف الذاتي. وتاريخ الرأسمالية يشمل أيضا تاريخ توسع المواصلات، والمعلومات، و التسلية- أشياء يقتضي التفكير بها وحولها.
وقد كانت من بين السلع الحديثة الأولى الكتب المطبوعة (في المقام الأول،عادة الكتاب المقدس)، حيث تراجعت اسعارها وزادت وفرتها وكانت اهميتها من الناحية التاريخية، هامة جدا أكثر بكثير كما يقال من انتشار ماكنة الاحتراق الداخلي. وهكذا، ومع انتشار ورق الصحف، أيضا، جعل ذلك من الممكن ظهور الصحف والمجلات. وهذه أدت بدورها، إلى ظهور أسواق جديدة للمعلومات والأعمال لجمع وتوزيع الأخبار. في القرن الثامن عشر، كان وصول الأخبار من الهند إلى لندن يستغرق شهورا؛ في حين، تحتاج إلى لحظات حاليا. وقد جعلت الكتب والأخبار من الممكن توسيع ليس فقط وعينا لكن أيضا تصوراتنا، وإمكانياتنا على التعاطف مع الآخرين وتصور العيش لأنفسنا وفق طرق جديدة. وهكذا، مهدت الرأسمالية والتسليع لكل من الجانب الإنساني ولأشكال جديدة من الابتكار الذاتي.
خلال القرن الأخير، توسعت وسائل الثقافة من خلال اختراع تسجيل الصوت، والفيلم، والتلفزيون، ومع انتشار الانترنت وأجهزة الكمبيوتر المنزلية، انخفضت تكاليف اكتساب المعرفة والثقافة بشكل دراماتيكي. وقد وفر توسع وسائل الثقافة الإمكانية ليكون هناك تقريبا توسع لا يمكن تصوره في ميدان المعرفة.
قضايا العائلة
قادت الرأسمالية إلى توفر فرص أكثر لتنمية القدرات البشرية، مع ذلك، لم يكن كل شخص قادرا على الاستفادة الكاملة من هذه الفرص أو التقدم حتى لمرة واحدة. حيث منعت العوائق الرسمية أو غير الرسمية التي تعيق تحقيق المساواة في الفرص، تاريخيا، فئات مختلفة من السكان على سبيل المثال، - النساء، والأقليات، والفقراء- من الاستفادة بشكل كامل من إيجابيات الرأسمالية. ولكن مع مرور الوقت، قلت أو زالت هذه العوائق بشكل تدريجي، في العالم الرأسمالي المتقدم، بحيث باتت الآن الفرص متاحة أكثر فيما يتعلق بالمساواة، من أي وقت مضى. لذلك، يستمد التفاوت الموجود حاليا، بدرجة أقل من حالة الفرص غير المتكافئة مقارنة بما تلعبه الكفاءة غير المتكافئة من دور في استثمار الفرص. وتنجم القدرة غير المتكافئة، في المقابل، من الاختلافات في الامكانيات البشرية الكامنة التي تبدأ مع الأفراد وفي الطرق التي من خلالها تمكن وتشجع العائلات والمجتمعات الطاقات البشرية على النمو.
دور العائلة في تشكيل كفاءة الشخص وميوله للاستفادة من وسائل الثقافة التي توفرها الرأسمالية من الصعب المبالغة به. فالعائلة ليست فقط وحدة للاستهلاك والتكاثر البيولوجي. ففيها أيضا يجري الإعداد الرئيسي للأطفال إجتماعيا، وحضاريا، وتربويا، وفيها يتم تطوير العادات التي تؤثر في مصائر الأطفال اللاحقة كأشخاص وكفاعلين في السوق.
دينامية وانعدام الأمان
في معظم التاريخ، كان المصدر الأولي لانعدام الأمان البشري يتمثل في الطبيعة. في مثل هذه المجتمعات، كما لاحظ ماركس، كان النظام الاقتصادي يتسم بالاستقرار والركود. أما في المجتمعات الرأسمالية، فهو على العكس، موجه نحو الابتكار والدينامية، لخلق معرفة جديدة، ومنتجات جديدة، وطرق جديدة للإنتاج والتوزيع. كل هذه المتغيرات حولت مصدر عدم الأمان من مجال الطبيعة إلى مجال الاقتصاد.
وقد لاحظ هيغل في عشرينات القرن التاسع عشر بأن وضع الرجال في المجتمع التجاري كان يستند إلى نموذج المعيل - ربة البيت، حيث أرتبط شعور المرء بقيمة ذاته والاعتراف من قبل الآخرين بالحصول على الوظيفة. وهذا فرض مشكلة، بسبب أنه في السوق الرأسمالي الديناميكي، كانت امكانية حدوث البطالة غير مشكوك فيها. لذلك فإن تقسيم العمل الذي نتج عن السوق كان يعني بأن الكثير من العمال الذين يمتلكون مهارات وكانوا متخصصين بشكل عال باتوا مؤهلين للعمل في مجال ضيق فقط. وقد خلق السوق تحولا في الحاجيات وزاد من الطلب على منتجات جديدة، وهذا يعني انخفاض الطلب على المنتجات القديمة. وبات الرجال الذين كانت حياتهم مكرسة إلى دورهم في إنتاج المنتجات القديمة بدون عمل وبدون تدريب يسمح لهم بالحصول على عمل جديد. وقادت مكننة الإنتاج أيضا إلى فقدان الوظائف. ومنذ البدايات الأولى، اتسم ابتكار وإبداع الرأسمالية الصناعية بانعدام الأمان بالنسبة إلى القوى العاملة.
رسم ماركس وانجلز الدينامية الرأسمالية، وانعدام الأمان، وتحسن الاحتياجات، وتوسع الإمكانيات الثقافية في البيان الشيوعي:
"البرجوازية، باستثمارها السوق العالمية، طبَّعت الإنتاج والاستهلاك، في جميع البلدان، بطابع كوسموبوليتي، وانتزعت من تحت أقدام الصناعة أرضيتها القومية وسط غم الرجعيين الشديد. فالصناعات القومية الهرمة دُمرّت و تدمَّر يوميا لتحل محلها صناعات جديدة، أصبح اعتمادها مسألة حيوية بالنسبة إلى جميع الأمم المتحضرة، صناعات لم تعد تستعمل المواد الأولية المحلية، بل المواد الأولية من أقصى المناطق، صناعات لا تُستهلك منتجاتها، في البلد نفسه فحسب، بل أيضا في جميع أنحاء العالم. فمكان الحاجات القديمة، التي كانت المنتجات المحلية تسدُّها، تحُل حاجات جديدة تتطلب لإشباعها منتجات أقصى البلدان والأقاليم. ومحل الاكتفاء الذاتي الإقليمي والقومي والإنعزال القديم، تقوم علاقات شاملة في كل النواحي، وتقوم تبعية متبادلة شاملة بين الأمم".
في القرن العشرين، سيوسع الاقتصادي جوزيف شومبيتر هذه النقاط مع ملاحظته بأن الرأسمالية تميزت بـ "التدمير الخلاق" حيث حلت منتجات وأشكال جديدة من التوزيع والتنظيم محل الأشكال القديمة. على عكس ماركس، الذي رأى بأن مصدر هذه الدينامية يتمثل في سعي الرأسمال للتراكم (على حساب، الطبقة العاملة)، ركز شومبيتر على دور المقاول أو المتعهد كونه مبتكر والذي عرض السلع الجديدة واكتشف أسواق وأساليب جديدة.
قادت الدينامية وانعدام الأمان اللتان نشأتا في القرن التاسع عشر في الرأسمالية الصناعية إلى إنشاء مؤسسات جديدة من أجل تقليل حالة عدم الأمان، تشمل هيئات ذات مسؤولية محدودة، لتقليل مخاطر المستثمِر، والنقابات العمالية، لتعزيز مصالح العمال؛ وجمعيات المساعدة المتبادلة، لتوفير القروض وتأمين الدفن؛ والتأمين على الحياة التجارية. وفي العقود الوسطى من القرن العشرين، واستجابة للبطالة الضخمة والحرمان الناتجين عن الكساد الكبير ( والنجاح السياسي للشيوعية والفاشية، الذي اقنع العديد من الديمقراطيات بأن الكثير من انعدام الأمان يشكل تهديدا للديمقراطية الرأسمالية نفسها)، تبنت الديمقراطيات الغربية دولة الرفاه الإجتماعي. حيث ابتكرت دول مختلفة مجموعة معينة من البرامج، وكذلك تبنت دول الرفاه الإجتماعي الجديدة في العموم وبشكل جيد، برامجا تشمل التأمين لكبار السن والبطالة وإجراءات مختلفة لدعم الأسر.
إن توسع دولة الرفاه الإجتماعي في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية أخذ طريقه في الوقت الذي كانت فيه الاقتصاديات الرأسمالية في الغرب تشهد نموا سريعا. لذلك جعل نجاح الاقتصاد الصناعي من الممكن سحب الأرباح والأجور للأغراض الحكومية من خلال فرض الضرائب. ساعد أيضا التركيب السكاني لفترة ما بعد الحرب، حيث ساد نموذج المعيل-ربة البيت للعائلة، باعتدال معدلات المواليد العالية مما خلق نسبة ملائمة بين العمالة النشطة والمعالين. وتوسعت فرص التعليم، كما قبلت جامعات النخبة بشكل متزايد الطلاب على قاعدة تحصيلهم الأكاديمي وإمكانياتهم، وبات المزيد والمزيد من الناس يواصل دراسته في معاهد التعليم العالي. وبدأت تسقط عوائق مشاركة النساء والأقليات الكاملة في المجتمع كذلك. ونتيجة لكل هذا كان هناك توازن مؤقت شهدت خلاله الدول الرأسمالية المتقدمة نموا اقتصاديا قويا، ومعدل تشغيل عال، ومساواة اجتماعية- اقتصادية نسبية.
الحياة في الاقتصاد ما بعد الصناعي
كل هذا التقدم، قد تظلل بمميزات الرأسمالية الدائمة المتسمة بالتفاوت وانعدام الأمان. عام 1973، لاحظ السسيولوجي دانيال بيل بأنه في العالم الرأسمالي المتقدم، كانت المعرفة، والعلم، والتكنولوجيا تقود التحولات إلى ما يصطلح عليه بـ "المجتمع ما بعد الصناعي." كما حلت الصناعة في السابق محل الزراعة كمصدر رئيسي للعمل، ناقش دانيال بيل، بأن قطاع الخدمات قد حل الآن محل الصناعة. في مرحلة ما بعد الصناعة، في الاقتصاد القائم على المعرفة، يعتمد إنتاج السلع المصنعة على المدخلات التكنولوجية أكثر من اعتماده على مهارات العمال الذين بنوا وركبوا المنتجات فعليا. هذا يعني انخفاضا نسبيا في الحاجة إلى القيمة الاقتصادية لعمال المصانع الماهرين وشبه الماهرين - كما حصل في السابق انخفاض في الحاجة إلى قيمة العمال الزراعيين. في مثل هذا الاقتصاد، تضم المهارات المطلوبة المعرفة العلمية والتكنولوجية والقدرة على التعامل مع المعلومات. في غضون ذلك، فاقمت ثورة تكنولوجيا المعلومات التي اجتاحت الاقتصاد في العقود الأخيرة، من هذه الاتجاهات فقط.
تأثيرنا الحاسم في صعود الاقتصاد ما بعد الصناعي تم استنادا إلى وضعية وأدوار الرجال والنساء. وقد استندت الميزة النسبية للرجال في الاقتصاديات ما قبل الصناعية والصناعية في جزء كبير منها على قوتهم البدنية الأقوى- شيء ما بات الطلب عليها الآن أقل من أي وقت مضى. أما النساء، فعلى العكس، سواء بسبب وضعهن البيولوجي أو بسبب التنشئة الاجتماعية، يتوفرن على ميزة نسبية فيما يتعلق بالمهارات البشرية والمعية عاطفية، جعلتهن يصبحن بشكل متزايد أكثر أهمية في اقتصاد يتوجه إلى الخدمات البشرية أكثر من توجهه إلى إنتاج الحاجيات المادية. وقد توسع جزء من الاقتصاد الذي تستطيع النساء المشاركة فيه، وأصبح عملهن أكثر قيمة- يعني هذا أن الوقت الذي ينفق في المنزل بات الآن على حساب الإمكانيات الأكثر ربحا المتأتية من قوة العمل المدفوعة الأجر.
لقد قاد هذا إلى زيادة استبدال نموذج الأسر ذات المعيل الذكر- ربة البيت الأنثى بنموذج الأسر ذات الدخل المزدوج. وقد مال كلا من المؤيدين والمنتقدين لتوجه النساء نحو الاقتصاد المدفوع الأجر إلى المبالغة بالدور الذي لعبته في هذا التحول النضالات الايديولوجية المستندة إلى نظرية المساواة بين الجنسين، في حين قللوا من أهمية الدور الذي لعبته التغيرات في طبيعة الإنتاج الرأسمالي. حيث أصبح ممكنا جزئيا إعادة توزيع العمالة النسائية من الأسرة من خلال وجود سلع جديدة خفضت من وقت العمل المنزلي الضروري (مثل مكائن الغسل، المجففات، غسالات الأواني، سخانات المياه، المكانس الكهربائية، أفران الميكروويف). وأدى الجزء الأكبر من الوقت المخصص لنشاط التسوق، بدوره، إلى طلب جديد على السلع الاستهلاكية الموجهة للأسرة التي تحتاج إلى عمل أقل (مثل الأطعمة المعبئة والمعدة) وتوسع المطاعم والأكلات السريعة. وقد قاد هذا إلى تسليع الرعاية، بحيث بات الشباب، وكبار السن، والعجزة يتطلعون بشكل متزايد لا إلى الأقرباء بل إلى المرافقين المدفوعي الأجر.
تزايد التفاوت
هذه الاتجاهات الاجتماعية لفترة ما بعد الصناعة كان لها تأثيرا كبيرا على التفاوت. حيث أن جزءا اساسيا من الأسر التي تكون في النهاية المنخفضة للسلم الاقتصادي، لم يتضاعف دخلها على الإطلاق- لأنه رغم نمو الأجور النسبية للنساء إلا أن الأجور النسبية للأشخاص الأقل تعليما والطبقة العاملة شهدت انخفضا، هذه الأخيرة قد ينظر إليها على أنها أقل وأقل صلاحية للزواج. وفي الغالب، تجعل محدودية رأس المال البشري مثل هؤلاء الرجال أقل قابلية للتوظيف وتجعلهم أيضا مرغوب بهم أقل من بين رفاقهم، وأيضا، تتدهور في بعض الأوقات الصفات الشخصية للرجال الذين يعدون في عداد البطالة بشكل دائم. ومع قلة اللجوء إلى طاولة المفاوضات، يعتبر مثل هؤلاء الرجال أقل ضرورة- جزئيا لأن المرأة تستطيع أن تعتمد الآن على التموين من دولة الرفاه الاجتماعي كمصدر إضافي مستقل من الدخل، رغم أنه ضئيل.
في الولايات المتحدة، من بين التطورات اللافتة أكثر في العقود الأخيرة كان التقسيم الطبقي لأنماط الزواج وسط طبقات المجتمع ومجموعاته الإثنية المختلفة. فعندما خففت قوانين الطلاق في الستينات من القرن الماضي، حدث ارتفاع في معدلات الطلاق وسط جميع الطبقات. لكن في الثمانينات، نشأ نمط جديد يتمثل في انخفاض الطلاق وسط فئات السكان الأكثر تعليما، في حين استمرت معدلات الطلاق في الارتفاع وسط فئات السكان الأقل تعليما. إضافة إلى ذلك، كانت الفئات الأكثر تعليما والتي تعمل بشكل جيد أكثر فرصتها في الزواج أكثر احتمالا، في حين كانت الفئات الأقل تعليما فرصتها بالزواج أقل احتمالا. ونظرا لدور العائلة باعتبارها حاضنة للرأسمال البشري، فإن مثل هذه الاتجاهات تمتلك تأثيرات ممتدة مهمة على عدم المساواة. وقد أظهرت الكثير من البحوث بأن الأطفال الذين يتربون من قبل الآب والأم في رابطة مستمرة فهم من المحتمل أكثر أن يطوروا الانضباط الذاتي والثقة بالنفس اللذان يجعلانهم ناجحين في حياتهم، في حين الأطفال –خصوصا الأولاد- الذين يتربون في أسر وحيدة الآب أو الأم ( أو أسوأ من ذلك، الأسر التي تكون فيها للأم سلسلة من العلاقات المؤقتة) فإن ذلك يتوفر على خطر أكبر من النتائج السلبية.
كل ذلك أخذ طريقه خلال فترة زيادة فرص المساواة للوصول إلى التعليم وزيادة التقسيم الطبقي المتعلقة بمكافآت عالم التجارة أو السوق، كلاهما زاد من أهمية رأس المال البشري. ويتمثل العنصر الأول من رأس المال البشري في القدرة المعرفية: سرعة المقدرة العقلية أو الأفكار، القدرة على الاستدلال وتطبيق أنماط مستمدة من الخبرة، والقدرة على التعامل مع التعقيدات العقلية. أما العنصر الثاني فيتمثل في المهارات الشخصية والاجتماعية: الانضباط الذاتي، الأصرار، والمسؤولية. ويتمثل العنصر الثالث بالمعرفة الفعلية. كل هذه العناصر تصبح بشكل متزايد حاسمة للنجاح في السوق أو عالم التجارة في الفترة ما بعد الصناعية. وقد لاحظ الاقتصادي برنك ليندسي في كتابه الذي صدر حديثا "الرأسمالية الإنسانية"، بأنه بين 1973-2001، كان متوسط النمو السنوي للدخول الفعلية فقط 0,3 بالمائة بالنسبة إلى الأشخاص في خمس الجزء السفلي من توزيع الدخل في الولايات المتحدة، مقارنة مع 0,8 بالمائة بالنسبة إلى الأشخاص في الخمس المتوسط، و1,8 بالمائة بالنسبة إلى أولئك الأشخاص في الخمس الأعلى من توزيع الدخل. وتسود أيضا، أنماط مشابهة إلى حد ما في الكثير من الاقتصاديات المتقدمة الأخرى.
لم تتسبب العولمة بهذا النمط المتزايد من العوائد غير المتكافئة لرأس المال البشري لكنها عززته. وقد ميز الاقتصادي مايكل سبنس بين "سلع قابلة للتداول" والخدمات، التي يمكن استيرادها وتصديرها بسهولة، وسلع"غير قابلة للتداول" لا يمكنها ذلك. وعلى نحو متزايد، تستورد السلع القابلة للتداول والخدمات إلى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة من المجتمعات الرأسمالية الأقل تقدما، حيث تكون كلفة العمل أقل. وبما أن السلع المصنعة والخدمات الروتينية تكون مصادرها خارجية، لذلك تشهد أجور غير الماهرين وغير المتعلمين نسبيا في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة المزيد من الانخفاض، إلا إذا تمكن هؤلاء الأشخاص بطريقة أو بأخرى من العثور على فرص عمل مجزية في القطاع غير القابل للتداول.
تأثير التمويل الحديث
تزايد التفاوت، في غضون ذلك، قد ترافق مع تزايد عدم الأمان وقلق الناس بات أكبر بشأن السلم الاقتصادي. وكان أحد الاتجاهات الذي ساهم في هذه المشكلة هو تمويل الاقتصاد،(أي الاعتماد على حركة توظيف رؤوس الأموال السريعة أكثر من الاعتماد على الاقتصاد الإنتاجي، المترجم)، في بادئ الأمر نشأت في الولايات المتحدة، ما وصفه الاقتصادي هايمان منسكي بـ "رأسمالية إدارة الأموال" وأطلق الخبير المالي الفريد رابابورت على هذه الوضعية بـ "رأسمالية الوكالة."
في وقت متأخر من الثمانينات، كان التمويل عنصرا أساسيا في اقتصاد الولايات المتحدة. وكانت تجارة الأسهم والسندات (سوق الأوراق المالية) تتكون من المستثمرين الأفراد، الكبار أو الصغار، الذين يضعون نقودهم في اسهم وسندات الشركات اعتقادا منهم بوجود فرص جيدة للربح على المدى الطويل. أيضا كان رأس المال الاستثماري متوفرا من البنوك الاستثمارية الرئيسية في وول ستريت ونظرائها من البنوك الأجنبية. كل ذلك بدأ يتغير بسبب أن رؤوس الأموال الكبيرة أصبحت متوفرة للاستثمار ليتم التعامل بها من قبل مديري الأموال المهنيين بدلا من مالكي رؤوس الأموال أنفسهم.
أحد مصادر رأس المال الجديد هذا كانت صناديق التقاعد. حيث في العقود التي اعقبت الحرب، عندما ظهرت الصناعات الأمريكية الرئيسية في الحرب العالمية الثانية كاحتكارات تمثل القلة مع منافسة محدودة وأسواق كبيرة ومتوسعة في البلاد وخارجها، سمحت لها ارباحها وآفاقها المستقبلية بتبني خطط التقاعد المحددة لفائدة العاملين، مع المخاطر التي تنطوي عليها والتي تتحملها الشركات نفسها. ومن السبعينات فصاعدا، وبسبب من أن الاقتصاد الأمريكي أصبح أكثر تنافسية، باتت أرباح الشركات غير مؤكدة أكثر، وحاولت الشركات ( فضلا عن مؤسسات القطاع العام المختلفة) تحويل الخطر من خلال وضع صناديق التقاعد التابعة لها بأيدي مدراء الأموال المهنيين، الذين توقعوا توليد ارباح إضافية منها. لذلك أصبح دخل التقاعد للعاملين الآن لا يعتمد على أرباح أصحاب العمل لكن يعتمد على نصيبهم من صناديق التقاعد.
كان هناك مصدر أخر لرأس المال الجديد يتمثل بالجامعات ومنح المنظمات غير الربحية الأخرى، التي نمت في البداية بفضل التبرعات لكنها توقعت مزيدا من النمو وبشكل متزايد اعتمادا على أداء استثمارتها. وأتى مصدر أخر لرأس المال الجديد من الأشخاص والحكومات في العالم النامي، حيث قاد النمو الاقتصادي السريع، مترافقا مع ميل أو استعداد كبير للتوفير والرغبة في آفاق الاستثمار الأمن نسبيا، إلى حدوث تدفقات مالية كبيرة نحو النظام المالي للولايات المتحدة.
لقد حفزت هذه الفرص الجديدة جزئيا، البنوك الاستثمارية التقليدية في وول ستريت لتحويل نفسها علنا إلى شركات تداول - وهذا يعني، أنها، بدأت في الاستثمار ليس فقط بأموالها الخاصة لكن أيضا بأموال الناس الآخرين- وربطت مكافآت شركائها وموظفيها بالأرباح السنوية. كل ذلك خلق نظاما ماليا تنافسيا عاليا، يسيطر عليه مدراء الاستثمار المتعاملون برؤوس الأموال الكبيرة المقامرة، التي توظف على اساس قدرة المدراء المفترضة للتفوق على أقرانهم. وقد قادت بنية المحفزات في هذه البيئة مدراء الصناديق أو الأموال إلى محاولة تعظيم العائدات قصيرة الأجل، وهذه العملية تجري وصولا إلى المسؤولين التنفيذيين في الشركات. وقد خلق الأفق الزمني المتقلص إغراءا لزيادة الأرباح بشكل فوري على حساب الاستثمارات الطويلة الأجل، سواء في البحث والتنمية أو في تحسين مهارات القوى العاملة في الشركات. وبالنسبة إلى المدراء والموظفين، كانت النتيجة زبد مستمر يزيد من إمكانية فقدان العمل وانعدام الأمن الاقتصادي.
التباين في تحصيل المجموعات
في دول أوروبا الغربية (على وجه الخصوص دول أوروبا الشمالية) التي تتوفر على مستويات أعلى بكثير من المساوة مقارنة بالولايات المتحدة تميل إلى أن يكون سكانها أكثر تجانسا من الناحية الإثنية. في حين، جعلت الموجات الأخيرة من الهجرة الداخلة الكثير من المجتمعات المتقدمة ما بعد الصناعية أقل تجانسا من الناحية الإثنية، حيث يبدو تقسيمها أيضا وعلى نحو متزايد على طول خطوط المجموعات، إذ تظهر بعض المجموعات المهاجرة أنماطا مرضية أكثر مقارنة بالسكان الأصليين، في حين يكون أداء مجموعات أخرى أسوأ. في المملكة المتحدة، مثلا، يميل أداء أطفال المهاجرين الصينيين والهنود ليكون أفضل من أداء السكان الأصليين، في حين، يميل أداء أطفال المهاجرين السود من الكاريبي والباكستانيين ليكون أسوأ. في فرنسا، يميل أداء المنحدرين من فيتنام ليكون أفضل، في حين يميل اداء أولئك المنحدرين من شمال افريقيا ليكون أسوأ. في إسرائيل، يميل أداء أطفال المهاجرين الروس ليكون أفضل، في حين يميل أداء أطفال المهاجرين من أثيوبيا ليكون أسوأ. في كندا، يميل أداء أطفال الصينيين والهنود ليكون أفضل، في حين يميل أداء ذوي الأصول الكاريبية والأمريكية اللاتينية ليكون أسوأ. يمكن تفسير الكثير من هذا التباين في التحصيل الدراسي من خلال التباين في الخلفيات الطبقية والثقافية للمجموعات المهاجرة في بلدانها الأصلية. ولكن بسبب من أن الجاليات نفسها تكون بمثابة ناقلة أو حاضنة لرأس المال البشري، لذا يمكن للأنماط هذه أن تستمر عبر الزمان والمكان.
في حالة الولايات المتحدة، تلعب الهجرة الداخلة دورا أكثر في مفاقمة حالة التفاوت، إذ تميل الدينامية الاقتصادية للبلاد، والانفتاح الثقافي، والموقع الجغرافي لجذب بعض المهاجرين الأفضل والألمع تعليما وكذلك أولئك الأقل تعليما. وهذا يعمل بدوره على رفع وخفض الدخل في السلم الاقتصادي.
لماذا لا يكون التعليم دواء شافيا؟
تنامي التعرف على زيادة التفاوت الاقتصادي والتراتب الإجتماعي في المجتمعات ما بعد الصناعية من الطبيعي أن يقود إلى مناقشات حول ما الذي يكن عمله حيال ذلك، وفي السياق الأمريكي، يكون الجواب تقريبا من جميع الجهات بسيطا: التعليم.
يركز أحد خيوط هذا المنطق على الدراسة في الكلية. فهناك فجوة متنامية في فرص الحياة بين الأشخاص الذين أكملوا الكلية وأولئك الذين لم يكملوها، ويوجد برهان حول هذه الوضعية، لذلك يجب أن يتوجه أكبر عدد من الناس قدر الإمكان إلى الدراسة في الكليات. لسوء الحظ، رغم أن نسبة عالية من الأمريكيين يواصلون دراستهم في الكليات، لكن ليس بالضرورة أنهم يتعلمون أكثر. حيث أن عددا متزايدا منهم يكون غير مؤهل للعمل بمستوى شهادة الكلية، ويترك الكثير منهم الكلية بدون اكمال درجاتها العلمية، ويحصل آخرون على الدرجات العلمية لكن معاييرها تكون أقل بكثير مما كان يتم فهمها على أنها شهادة جامعية.
لكل هذه الأسباب، يبدو أن التفاوت في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة ينمو وبشكل حتمي، على الأقل في الوقت الراهن. في الواقع، تشير احدى أقوى نتائج البحث الإجتماعي والعلمي المعاصر إلى أن الفجوة بين الدخول العالية والمنخفضة للأسر قد ازدادت، وبأن فجوة التحصيل الدراسي وإنجاز العمل بين أطفال هذه الأسر قد ازدادت أكثر.
ما الذي يجب عمله؟
تستمر الرأسمالية في الوقت الحاضر بإظهار فوائد ملحوظة وفرصا مستمرة أكبر بالنسبة إلى التهذيب الذاتي والتنمية الشخصية. ومع ذلك، تأتي الآن أكثر من أي وقت مضى، تلك الإيجابيات مترافقة مع سلبيات، خصوصا تنامي التفاوت وانعدام الأمان. وكما لاحظ ماركس وانجلز بشكل دقيق، أن ما يميز الرأسمالية عن الأنظمة الإجتماعية والاقتصادية الأخرى هي " الثورة المتواصلة في الإنتاج، الاضطرابات المتواصلة في جميع الأوضاع الإجتماعية، وعدم اليقين الدائم والهياج."
تتمثل احدى العلاجات المحتملة لمشكلات تنامي التفاوت وعدم الأمان ببساطة بإعادة توزيع الدخل من أعلى الاقتصاد إلى أسفله. مع ذلك، تتوفر هذه الطريقة على عقبتين. تتمثل الأولى في أنه بمرور الوقت، تؤكد القوى التي تقود تعاظم التفاوت ذاتها. وتتمثل العقبة الثانية في أنه عند نقطة معينة، ينتج عن إعادة التوزيع استياء كبير يعيق القوة المحركة للنمو الاقتصادي. وتكون درجة معينة من إعادة توزيع الدخل ما بعد السوق من خلال فرض الضرائب ممكننة وضرورية، ولكن لا يمكن تفادي النزاع، ومن ثم، فإن ذلك لن يحل المشاكل الأساسية.
يتمثل التحدي الذي يواجه السياسة الحكومية في العالم الرأسمالي المتقدم في كيفية المحافظة على معدل من الدينامية الاقتصادية يعمل على توفير منافع متزايدة للجميع في حين تستمر الحكومة في معالجة إدارة دفع ثمن برامج الرعاية الإجتماعية المطلوبة بنجاح لجعل حياة المواطنين من الممكن احتمالها في ظل ظروف تنامي التفاوت وانعدام الأمان. وستتعامل بلدان مختلفة مع هذا التحدي بطرق مختلفة، بسبب اختلاف أولوياتها، وتقاليدها، وحجمها ومميزاتها الديمغرافية والاقتصادية. لكن يمكن أن تكون نقطة البداية المفيدة رفض كل من سياسة الامتيازات وسياسة الاستياء وتبني رؤية حصيفة لما تنطوي عليه الرأسمالية في الواقع، خلافا لتمجيد متعبديها وشيطنة منتقديها.
المقالة بقلم البروفسور د. جيري مولر، من مواليد عام 1954، أستاذ التاريخ في الجامعة الكاثوليكية في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤلف كتاب "العقل والسوق: الرأسمالية في الفكر الغربي."
الترجمة عن مجلة:Foreign Affairs, Volume 92, Number 2, March| April 2013.
*نشرت في مجلة "الثقافة الجديدة"، العدد 373، أيار 2015.