المنبرالحر

ما عندي واسطة! / قاسم السنجري

"أريد تعيين .. ما عندي واسطة"، شعار رفعه مجموعة من الخريجين العاطلين عن العمل على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، يحاولون من خلالها لفت انتباه السلطات إلى معاناتهم في الحصول على وظيفة تكلل جهودهم التي بذلوها في الحصول على الشهادة الجامعية.
إن الشعار يؤشر وبقوة إلى حال البلاد وتفشي المحسوبية والمنسوبية، للحصول ليس على الوظائف فقط، بل لاستخلاص أي حق مكتسب للمواطن، حيث أن المواطن حين يفكر في الشروع بإنجاز معاملة ما، فأن أول ما يفكر فيه، هو هل لديه واسطة في الدائرة الفلانية، أو يسأل بطريقة مباشرة "منو عنده عرف بالدائرة الفلانية؟"، وهذا الأمر ناتج عن سياق اتبعته الحكومات المتعاقبة واسلوبها في اختيار موظفي الدولة من المحسوبين على القوى السياسية المتنفذة، فيما تهمل الكفاءات ويركن اهل الاختصاص في طوابير الانتظار التي تزداد طولا في نهاية كل عام دراسة يحمل معه آلاف الخريجين.
إن النهج الذي اتبعته القوى المتنفذة وتسعى الى جعله من الثوابت في الدولة العراقية، هو نهج المحاصصة، ومنح فرص ذهبية للمنتمين لهذا الحزب أو ذاك التي تفرض سيطرتها على دوائر الدولة ووزاراتها، وبالرغم من الاثار السيئة التي لمسها العراقيون جميعاً في منهج المحاصصة المقيت سواء في الدوائر المدينة أو الامنية، إلا أن القوى المتنفذة تعمل وبقوة على تجاهل الاصوات الداعية إلى عدم العمل بهذا الاسلوب الذي أدى إلى تدهور قطاعات كبيرة من قطاعات الدولة، واسهم بشكل كبير في تفشي الفساد الإداري والمالي، ولا يمر يوم لا نسمع فيه أن الدائرة الفلانية قد فتحت باب التعيين مقابل مبالغ مالية تدفع للمسؤولين عبر وسطاء قد يكونون منتمين لحزب مسؤول الدائرة التي لديها درجات وظيفية شاغرة.
إن كل شي في العراق قابل لأن يكون مادة تجارية، ابتداءً من الأراضي المملوكة للدولة والمشاريع الاستثمارية وليس انتهاء بالدرجات الوظيفية التي توزع على وزارات الدولة حسب الاحتياج، إلا أن هذا الاحتياج تتم المتاجرة فيه عبر الوسطاء الذين يبيعون الدرجات الوظيفية.
وليس الفساد فقط من يعرقل تعيين الخريجين، بل أن الإجراءات والروتين وعدم وجود الخبرة في إدارة الدوائر يتسبب في الكثير من المشاكل، حيث ألغت تربية بابل ، قبل اسابيع، تعيين العشرات من خريجي كلية التربية الاساسية في بابل الذين سبق وأن صدرت أوامر تعيينهم كمعلم جامعي في الاقضية والنواحي، وتعيين خريجي معاهد المعلمين بدلا عنهم ، وكان تبرير مديرية تربية بابل ان هذا الاجراء اتخذته وزارة التربية بسبب اوامر من وزارة المالية، حيث ان الاخيرة منحتهم حق التعيين على الدرجة الثامنة، في حين تم تعيين المعلم الجامعي على الدرجة ?لسابعة، وهذا التبرير على غموضه لا يمكن أن يكون مقنعاً لـ٣٠٠ معلم تم فصلهم من وظيفتهم.
وعلى ما يبدو فأن العراق الذي تناهبته المحاصصة الطائفية، لن يمنح الفرصة لمن ليس له ظهر قوي من ابنائه الذي علقوا شهاداتهم على حيطان منازلهم.