المنبرالحر

لكي لا نتيح البقاء لـ «داعش» فترة أطول / مرتضى عبد الحميد

مرت على ارض العراق وشعبه أوبئة كثيرة، طيلة تاريخه الموغل في القدم، والأوبئة أنواع وأشكال مختلفة، منها الاجتماعية والصحية، ومنها السياسية فكم مرة اكتسح البلاد مرض الطاعون، أو الجدري، أو التدرن أو غيرها من الأمراض الخطيرة، وكم مرة اكتسحها وداس عليها بسنابك خيله الوباء السياسي، فابتلى عراقنا بحكام لا يقلون خطراً عن الطاعون؟ لكن هذا الشعب العصي على الدمار والقادر على النهوض من تحت الأنقاض سرعان ما ينفض عنه غبار الموت والحرمان، ليعود إلى سابق عهده في صناعة الخير لنفسه وللإنسانية.
ها قد مر عام على اجتياح الوباء الجديد «داعش» لمدننا العزيزة في الموصل والانبار وصلاح الدين وديالى وكركوك، والدواء لهذا المرض الخطير لم يتوفر بعد بالمستوى المطلوب، فبعض سياسيينا الأشاوس مازالوا يعزفون نغمة الطائفية الكريهة، ومازالت المهاترات الإعلامية والاتهامات المتبادلة بالتخوين والتسقيط السياسي هي السائدة، وكأنهم لايعرفون غيرها، وهم حقاً لايعرفون لغة وحواراً غيرها. بل كأن العراق خال من المشاكل والكوارث والمآسي، فيلجأون الى هذا الأسلوب البائس، لملء الفراغ او لطرد الملل عنهم!
كما أن المعولين على الخارج كمن يهرول خلف السراب، فلا التحالف الدولي يريد القضاء على «داعش» لأنها ورقة ضغط قوية، يستعملها بمهارة وبذكاء ثعلبي ضد الحكومة وسائر العراقيين، وإلا فهل من المعقول أنهم لايستطيعون توجيه ضربات موجعة ولانقول قاصمة لارتال «داعش» المهاجمة او المنسحبة، وهم الذين ادخلوا صاروخاً إلى غرفة نوم «ليلى العطار» التشكيلية التي رسمت صورة «بوش» في باب فندق الرشيد ليطأها الداخل والخارج من الفندق، أطلقوه من بارجة حربية كانت تبحر في مياه الخليج العربي، قبل اثني عشر عاماً ! ومن دون الحاجة الى ان نسأل كم تطورت تقنيات الأسلحة خلال هذه الفترة الزمنية؟
والطرف الثاني المتمثل بإيران، من الطبيعي أن لايضع مصلحة العراقيين في سلم أولوياته، وإنما يضع مصالحه وكيف يوسع حجم تأثيره وموطئ قدمه في المقام الأول، دون أن يعبأ بعدد الضحايا الأبرياء، ولا بالتأثيرات السلبية على حاضر العراقيين ومستقبلهم.
ماذا يبقى في حوزتنا؟ ما يبقى هو شيء كبير جداً، وقادر أذا ما أحسن توظيفه على دحر «داعش» ومن يقف وراءها، وبأسرع مما يتوقع الكثيرون.
لكن المطلوب قبل كل شيء توحيد الجهود والطاقات الكبيرة، التي يمتلكها شعبنا ووطننا، وفي مقدمتها استعادة الوحدة واللحمة الوطنية، عبر بوابة التخلي عن المحاصصة القاتلة، وتفعيل المصالحة الوطنية، ليس بين القوى السياسية وحسب، وإنما الأهم هو إعادة الثقة لأبناء المناطق المنكوبة بداعش وكسبهم إلى جانب العملية السياسية، عن طريق تطمينهم، بإجراءات فعلية ملموسة سياسية واقتصادية- اجتماعية وإعلامية وحتى نفسية، وأشعارهم ومعهم كل العراقيين، بأن الدولة هي دولتهم، وقد جاءت لخدمتهم وليس للتسيد عليهم واضطهادهم وتهميشهم.
أن إعادة بناء القوات المسلحة وهيكلتها على أساس الكفاءة والنزاهة والوطنية، وتدريبها وتجهيزها بما تحتاجه فعلاً، وتفعيل العقيدة الوطنية والقتالية لديها، كفيل بأن يجعلها في مستوى المسؤولية والقدرة على التصدي لكل المخاطر المحيقة بالوطن، وليس القضاء على «داعش» وبقية الإرهابيين فقط. وهذا لايعني على الإطلاق التعالي على الدعم والمساعدة التي تقدم لنا من الدول والمنظمات الأممية، وإنما الاستفادة منهما ضمن المشروع الوطني، الذي لايستبدل العراق بهدف أو ببلد آخر.