المنبرالحر

جانب من بغداد الستينات وبغداد اليوم / ضياء كريم

ساعد الجابي بأصغر نقد كافي...جمله كانت تكتب في باصات نقل الركاب في بغداد فترة الستينات من القرن الماضي، والغرض منها مساعدة الجابي او المحصل كما يطلق عليه ايضا، هو الشخص الذي يقوم بجمع اجرة الركاب وكانت عبارة عن مبلغ بسيط، لذلك يحتاج الجابي الى مساعدة الركاب الذين في كثير من الاحوال يفوق عددهم عدد المقاعد داخل الباص، بدفع ما يمكن ان يسهل الجباية بمبلغ مناسب للاجرة والتي كانت على مستوى درجتين، الدرجة الاولى مقاعدها من الجلد وقيمتها 25 فلسا وتكون في مقدمة الباص، والدرجة الثانية عباره عن مقاعد خشبية وقيمتها 15 فلسا وكانت في الجزء الخلفي من الباص، والاطفال مجانا... على هذا الشكل كانت عملية انتقال بسطاء الناس في بغداد تسير بكل مرونة، الجابي والسائق والراكب في المساء في دورهم او مقهى المنطقة اوالبعض منهم في حانة من حانات الباب الشرقي وربع عرق امسيح في دراهم بسيطة....بغداد اليوم ليس هناك ذكر للدراهم فيها، الملايين والمليارات، وعندما تسمع كلمة دينار واحد والذي كان يساوي عشرين درهم آنذاك، اليوم يعني مليون دينار، الجابي اليوم يأخذ الاجره دون ان يقدم لك اي خدمة، فاتورة كهرباء مثلا، فاتورة الماء، البلدية والصحة ....والخ الخ ، والفاتوره الاكبر هي فاتورة الحياة، حيث البغدادي البسيط اليوم لا يعلم حين يخرج صباحا الى رزقه هل سيعود ماشيا او محمولا او لا يعود ابدا، كلهم على نفس الدرجه ليس هناك اولى وثانية المفخخات ان كانت من الجلد او الخشب الكل بنفس التسعيرة، اطفالا ونساءا وشبان وشيوخ.
الفترة ذاتها اي في الستينات كان في بغداد عدد غير قليل من دور السينما، منها القديمة ومنها كانت تعتبر من دور العرض الحديثة، القديمة منها كانت في الغالب تعرض فلمين في الدور الواحد اي في تذكره واحده، وهناك فتره قصيره للاستراحة بين عرض الفلم الاول والثاني وخلال تلك الاستراحة يرتفع صوت البائع (حب جبس برمه كيك).....في دور العرض القديمة والحديثة وحسب توجيهات وزراة الصحة هناك لافتة كبيرة نوعا ما معلقة على جانبي شاشة العرض مكتوب عليها وبخط واضح (ممنوع التدخين) ، وهذه العبارة وبعد مرور حوالي عشر دقائق من عرض الفلم تبدأ تدريجيا بالاختفاء ليست لانها ازيلت بل لتواجد هالة ضبابية من دخان السكائر داخل الصالة تُحجبها عن الرؤية، هذه كانت من الامور التي تجعل الكثير من البغداديين ينتقدون هذه الظاهره في وقتها حيث كان المواطن يهتم كثيرا بأمور كثيرة حتى لو كانت بسيطة، لان الحياة كانت بسيطة جدا والمواطن ايضا له الوقت الكافي للمشاهدة والاسترخاء بعض الشئ ومن ثم تتكون له فكرة وقابلية على التشخيص ، اما اليوم كل شئ في بغداد ضبابي كل مؤسسات الدولة تملك لجانا تسمى لجنة النزاهة ومحاربة الفساد، ولا توجد مؤسسة عراقية خالية من الفساد، والمواطن لا يعترض ولا ينتقد ليس لانه خائف بل ليس لديه الوقت حتى ان يفكر ان ينتقد او يفضح الفساد وهو مشغول طول الوقت في كيفية امكانه ان يتجاوز يومه بسلام، اصبح يائسا متشائما منهكا نتيجة كثرة الوعود الكاذبة من جميع مسؤولي الدولة، لا الخدمات الاساسية ولا التعليم ولا حتى الثقافة و الفن والرياضة تعنيه بشيئ، وهذا ما يخدم الفاسدين ويعملون جاهدين في اشغال المواطنين على الركض طول اليوم حتى لا يجد الوقت الكافي للاسترخاء والتفكير، والبعض من المواطنين حتى البسطاء منهم للاسف اصبح يعتاش على فتات من هذا الفساد، حيث هناك من اصبح الفساد الاداري مصدر رزقه .