المنبرالحر

ملف حلبجة القضائي / زهير كاظم عبود

وفقا لسياقات العمل القضائي فقد أنجز ملف حلبجة من قبل السلطات التحقيقية، وأحيلت القضية الى المحكمة الجنائية العراقية العليا، وخلال فترة الإحالة صدر حكم قضائي في هولندا على متهم يدعى ( فرانس أنرات ) بسجنه خمس عشرة سنة لثبوت تزويده نظام صدام بالمواد الكيمياوية التي استعملت من ضمن ما أستعمل في ضرب المدينة المغدورة .
وبالرغم من تضمين التحقيقات التي أجرتها هيئات قضائية معتمدة العديد من الأسماء المتهمة بالمشاركة في ارتكاب جريمة حلبجة، فأن الهيئة التحقيقية حصرت القضية بعدد محدود من المتهمين الذين تمت أحالتهم على الهيئة الثانية في المحكمة الجنائية العراقية العليا المكلفة بالنظر في القضية، والتي نظرت في القضية الخاصة بالمتهمين المقبوض عليهم فقط، حيث تم تفريق قضايا أخرى للمتهمين الهاربين .
وفي ضوء ما جرى من جلسات للمحاكمة الأصولية والعلنية، استكملت المحكمة ما يخص المتهمين الحاضرين، فأصدرت بتاريخ 17/1/2010 حكمها بإدانة المجرم علي حسن المجيد ، وحكمت عليه بالإعدام شنقا حتى الموت لارتكابه جريمة القتل العمد كجريمة ضد الإنسانية على وفق أحكام المادة (12 أولا أ) وبدلالة المادة (15 أولا وثانيا وخامسا) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا ذي الرقم (10) لسنة 2005 المعدل، وألغت التهم الموجهة الى بعض المتهمين عن المشاركة في تنفيذ هذه الجريمة، وحكمت عليهم أحكاما مختلفة بجريمة الإخفاء القسري للسكان، وقررت اعتبار وصف الجريمة المرتكبة من الجرائم ضد الإنسانية.
ولدى عرض القضية على الهيئة التمييزية في المحكمة الجنائية العراقية العليا، قررت بناء على اللوائح التمييزية المقدمة من وكلاء المدعين بالحق الشخصي، اعتبار القضية المرتكبة من جرائم الأبادة الجماعية، وبصرف النظر عن مناقشة قرار الحكم والتوصيف القانوني للقضية، فأن هناك مسألتين مهمتين لم يتم النظر فيهما أو حسمهما ضمن الملف حتى اليوم .
القضية الأولى تخص معاقبة جميع من اسهم في ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية التي شكلت جريمة إبادة جماعية بهدف القضاء على جميع سكان المدينة والتي راح ضحيتها أكثر من خمسة ألاف من المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ، ممن طالهم القصف الكيمياوي المتعمد في عام 1988 .
هناك أسماء عديدة طالها الاتهام تم طرحها ضمن لوائح الاتهام بينهم من تم إعدامه مما يستوجب إيقاف الإجراءات القانونية بحقه وفقا لأحكام المادة 304 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ذي الرقم 23 لسنة 1971 المعدل ومنهم المجرم صدام حسين والمجرم عبد حمود ( عبد الحميد محمود الناصري )، ومن بين الأسماء التي لم يتوضح بشأنهم الأجراء القضائي والقانوني فيما يخص القضية المعروضة، معاون رئيس أركان الجيش حسين رشيد محمد التكريتي، وقائد الفيلق الثاني إبراهيم عبد الستار محمد الدهان، ووليد حميد توفيق الناصري وأياد فتيح خليفة الراوي، قائد الحرس الجمهوري آنذاك، وسبعاوي إبراهيم الحسن ومدير جهاز المخابرات، وعضو القيادة القطرية لفرع البصرة في حزب البعث المنحل عبد الغني عبد الغفور فليح العاني، وأمين سر جهاز المخابرات في النظام السابق اياد طه شهاب، والعميد الركن وعضو اللجنة الأمنية في محافظة البصرة في زمن النظام السابق لطيف محل حمود السبعاوي، وقائد قوات حمورابي التابعة للحرس الجمهوري قيس عبد الرزاق محمد الاعظمي، ووزير الدفاع سعدي طعمة عباس الجبوري الذي تولى قيادة القوات العسكرية في المنطقة الجنوبية، وقائد اللواء المدرع الثاني التابع للحرس الجمهوري سفيان ماهر حسن، وأسماء أخرى ممن لهم علاقة بحادثة القصف الكيمياوي بأي شكل من الأشكال .
والقضية الثانية التي لم تأخذ شكلا تنفيذيا بالرغم من تضمين القرار القضائي، هي انه قد أثير في حينه أن مجلس النواب بصدد تشريع قانون لتعويض ضحايا حلبجة والأنفال والانتفاضة الشعبية، إلا أن هذا القانون لم ير النور فيما يخص تعويضات العوائل الكردية المنكوبة، ولم يتم تعويض ذوي المجني عليهم باي شكل من الأشكال.
تم تنفيذ حكم الإعدام بالمتهم الرئيس صدام حسين في قضية جريمة الدجيل قبل أن تتم محاكمته عن قضية جريمة حلبجة، وقبل أن تستمع المحكمة لأقواله عنها، وبهذا فقد تم إيقاف الإجراءات القانونية بحقه وفقا للمادة 304 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وفقدت المحاكمة عنصرا أساسيا ومتهما رئيسا كان يمكن لإقراره واعترافاته أو أقواله أمامها أن يوضح أسماء المتهمين الذين تعاونوا في ارتكاب الجريمة، أو أية معلومات وأسرار يمكن أن تدفع لمعرفة الحقيقة، حيث تحدث الإعلام الغربي عن دور لبعض الدول وأسماء لبعض المسؤولين الذين سوقوا وساهموا في إيصال الأسلحة المحرمة إلى صدام والتي استعملها في أماكن عدة، كما هو موضح في بدء المقال عن صدور أحكام المحكمة الهولندية، كما أن عددا كبيرا من المشتكين والشهود لم تتوفر لهم فرصة الحضور أمام المحكمة الجنائية لأسباب تتعلق بالوضع الأمني أو لارتباطاتهم بأعمال شخصية في دول يقيمون فيها بشكل دائم، أو لظروفهم المادية أو أية ظروف أخرى، علما بأن سلطات التحقيق والمحاكمة والحكومة لم تدرس الخطوات اللازمة لتسهيل تقديم هؤلاء شهاداتهم أو شكواهم في المحاكمة
أن جريمة مثل جريمة الأنفال وحلبجة لايمكن اختزالها بعدد قليل من المتهمين، لأن تلك الجرائم البشعة تعدد فيها الجناة والمساهمون في الاتفاق الجنائي، وبهذا فأن الخلل الذي رافق القضية التحقيقية في دور التحقيق لا تستطيع المحكمة الجنائية أن تتلافاه لسعة القضية، ولعدم القدرة على السيطرة على تلافي تلك النواقص في دور المحاكمة، كما لم يتم الإعلان عن أسماء المتهمين الهاربين الذين تم تفريق قضاياهم عن هذه القضية من المتهمين الهاربين .
كما تبرز أهمية الوثائق السرية والاتفاقيات المعلنة والمخفية بين العراق في ظل سلطة صدام وبين تلك الشركات والدول التي سهلت عملية وصول الأسلحة الكيمياوية، وأمام جريمة جنائية تدخل في باب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية يقتضي الأمر إطلاع هيئة المحكمة على تلك الوثائق وربطها بأضبارة القضية حتى لاتبقى القضية تدور في فلك التخمين والحدس
وكان من الضروري التعمق مع الطيارين وقيادة الطيران التي نفذت الضربة الكيمياوية لتثبيت الأوامر الصادرة في الضربة الجوية بالسلاح الخاص، ونجد أيضا من أجل تحقيق العدالة أن يتم الالتفات إلى الاتهامات التي توجهها منظمات مجتمع مدني ومنظمات حقوقية تتضمن العديد من أسماء الضحايا والمشتكين، تتوجه باتهامها إلى أسماء أشخاص موجودين داخل السلطة اليوم أو خارجها، فكل متهم بريء حتى تثبت أدانته، ولا بأس في التثبت من حقيقة الاتهامات، حيث يسجل تجاهل تلك النداءات والشكاوى موقفا سلبيا ليس له أساس أو سند في القانون.