المنبرالحر

زعل! / قيس قاسم العجرش

عندما تعثـّر إقرار موازنة الدولة لعام 2014، لأسباب سياسية، إتخذت الحكومة السابقة وقتها قراراً بمنح الوزارات سُلـفاً مالية يتم تسويتها فيما بعد كي تستكمل مشاريعها المتوقفة.
وفي ذات الوقت، إنقطع تمويل عدد كبير من العاملين بأجور يومية لأن مُخصصات أجورهم تعثّرت هي الأخرى بسبب الموازنة.
إذن، وقتها أوجدت الحكومة آنذاك حلاً لمشاريعها(التي هي ليست ببعيدة عن المال السياسي) لكنها تركت العاملين بأجور يومية يواجهون مصيرهم غير المحدد، بلا رواتب.
يعلم القاصي والداني أن قطاع المشاريع في العراق إنما هو قطاع يستمد أمواله من المستفيد الرئيسي وهي الحكومة. هي وحدها من تمّول المشاريع بمئات الملايين من الدولارات، ولأن الحياة الإقتصادية في البلد لا تمشي إلا على أرصفة حكومية، فقد صار واضحاً ترابط قطاع المشاريع بالسياسة وبالأحزاب السياسية تحديداً التي تقاسمت هذا القطاع مثلما تقاسمت بالمحاصصة المناصب الحكومية.
ومن هنا، لم يظهر لدى العراق قطاع خاص بحجم مؤثر إلا واضطر أن يكون تحت مظّلة السياسة أو تحت مطرقتها، لا فرق. هذا القطاع الإقتصادي في الحقيقة هو قطاع فردي صغير الى حد بعيد. على سبيل المثال، يقول مسجّل الشركات إن أكثر من 30 الف شركة مساهمة عراقية مسجّلة لديه في مختلف النشاطات.
لكن، المفاجأة أن من بين هذه القائمة الألفية فإن بضعة شركات فقط هي التي تمكنت من توظيف أعداد من العاملين تتجاوز 100 عامل أو مُستخدم.
إذن، لدينا قطاع خاص مفكك ومتقّزم ويعتاش على الخدمات الثانوية الإستهلاكية فقط، وفوق هذا هو مرتبط بالنفوذ السياسي إذا ما حدث وأن نمى.
أما القطاع العام، صاحب الإمكانات الكبرى، فلا يحتوي إلا على مصانع وشركات فاقدة لقدرة التنافس وسط سوقٍ مفتوحة للفوضى غير مسيطر عليها ضريبياً او نوعياً.
والنتيجة هي «تجميد» لقدرات عمّال ومهندسين وفنيين مهرة لمدّة تجاوزت 12 عاماً، ضاعت بلا نتائج لأن التخطيط والإهتمام ضاع قبلها أصلاً.
تسربت أيّام هؤلاء العاملين في القطاع العام بين الأمل في حكومة تنتشلهم من البطالة المقنعة وبين الخوف على مصدر معيشتهم ورزق عيالهم دفعهم الى التمسك بوظائفهم الحكومية. لكن الحقيقة أن المُعجزات لا تتقرب من الإدارات الفاقدة للتخطيط الستراتيجي بعيد الأمد.
بل إنه بالأصل لا توجد مُعجزات في الصناعة والمشاريع، يوجد فقط عقول تخطط وأخرى تمتلك الإرادة على تنفيذ الخطط، وهذين
النوعين من العقول متوفر في العراق، لكنهما «زعلانين» من بعضهما لحد اللحظة!