المنبرالحر

الحاجة ماسة الى اعادة لحمة العراقيين / فاضل بولا

الحديث عن تقسيم العراق ليس جديداً وليس مقصوراً على جهات اجنبية فحسب ، بل كان لمثل هذا الحديث صدى بين ابناء الشعب العراقي ، مصدره الكثير ممن غالبهم اليأس في وجود مخرج للأزمة السياسية التي تلحق افدح الأضرار في عموم البلاد. وفي هذا ، لم يتوان حتى اولئك العاملون في القطاعات الرسمية والسياسية عن التطرق الى تقسيم العراق الى اقاليم ، كحل للخروج من دوامة الصراع الدموي المريع والتطاحن الطائفي المضني بين ابناء الشعب المنقسم على نفسه اصلاً، وتنهش به الكوارث على اشكالها من دون انقطاع، لا بل بتصعيد مخيف منذ عام 2006 الى يومنا الحاضر.
العلة هي في الشعب العراقي نفسه قبل غيره، لا شك في أنَّ حالة التمزق التي وصل اليها، تتيح لتدخلات اقليمية ودولية. وتكون بلاده عرضة للتلاعب بمصيرها، وذلك بعد عجزه عن حل المعضلة التي يدور حولها فرقاء العملية السياسية اولاً وثانياً التكتلات المدنية وكذلك الدينية الدائرة حول محور الطائفية.
واليوم تتسابق الأقلام الى ادانة مشروع القانون الأمريكي حول تقسيم العراق بعد الوصول الى درجة العجز في حل مشكلته. وثمة صوت في البرلمان العراقي يطالب بغلق السفارة الأمريكية وطرد سفيرها من العراق.
ان مجابهة المشاريع الخارجية لإختراق العراق وسد الطريق عليها، لا تحل بالغضب والإحتقان واطلاق التهديدات على عواهنها والبلاد تعاني الإنقسامات الرسمية والمدنية. واعلامها الرسمي والصحفي زاخر بالإشاعات والتأويلات والتقولات والتطير، حيث تصدر التصريحات والكتابات بمعزل عن التأني والتماهل للوقوف على حقيقة الأمر. واحياناً تكون حملات مفبركة لتسفيه وتخوين زيد من الناس وملاحقته بمختلف الطرق.
لماذا نتفاجأ بأن يكون العراق ــ وهوعلى حالته المزرية ــ موضع اختراقات وتدخلات اجنبية، الا يصح قول المثل " تشحذ السكاكين دائماً على الثور الصريع "..؟
إذا كان العراقيون جادين في الوقوف بوجه المشاريع الأجنبية الطامعة في بلدهم او اللاعبة بمقدراته, فما عليهم الاّ رصّ صفهم الوطني، وشحذ قواهم لإنهاء الصراع الدائر في ما بينهم منذ عقد من السنين. ترى ماذا يتوقعون وماذا ينتظرون من دول اجنبية، غير الحلول التي تصب اولاً في مصلحتهم هم؟
لقد اختبر العراقيون التناحر والتباعد والإقتتال، وفسحوا المجال للتدخل الأجنبي في شأنهم الوطني، ليشعل نار الفتنة بين ابناء الشعب الواحد، حيث شق صفوفهم وإستدرجهم لحرب طاحنة، زعزعت كيانهم واستقرار بلادهم . لعله يحدث هذا لأول مرة في تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها.
وبالنتيجة تمخض عن هذا الصراع هجمة بربرية منظمة ما بين الداخل والخارج.. ازلامها وحوش كاسرة..أعلنت نفسها دولة اسلامية على اراضٍ تمثل ثلث مساحة العراق. وبغض النظر عن تفاصيل هذا الحدث التاريخي المدمر الذي انكشفت كل مفردات تكوينه ومناصرته ودعمه. فإنه يذيق اليوم العراقيين مرارة القتل الجماعي والتخريب ومس القيم والتجاوز على الأصول والكرامة، والقيام بشرعنة كل ما في جعبته من ما هو مرفوض في عالم اليوم، كما يلحق الدمار في كل مناطق وجوده في العراق.
وبالنتيجة، انكشف هذا التنظيم لدى الكثير من العراقيين المخدوعين به. وإثر ذلك، بدأ ينمو اصطفاف شعبي جديد يشعر بواجب النهوض بوجه هذه القوى الضالة لتطهير العراق من براثنها.
ويتجلى ذلك في ما حصل في تحرير صلاح الدين وما يحصل اليوم بمشاركة مقاتلي الحشد الشعبي الى جانب القوات المسلحة وأبناء العشائر في محافظة الأنبار. وعسى أن يكون في ذلك ما يرأب الصدع بين ابناء الشعب الواحد.
إذاً السبيل الوحيد لخروج العراق من مأزقه، هو الإعتماد الكلي على مشروع المواطنة المؤدي الى الحصانة الحقيقية للعراق واستقلاله وسيادته. وعلى هذا الأساس تقوم وحدته الوطنية، ولا يبقى متسع للتدخل في شؤونه او الحديث عن التلاعب بخارطته السياسية.