المنبرالحر

"اريد اتعين.. ما عندي واسطة " ! / محمد عبد الرحمن

مشاكل بلدنا كثيرة ومتشابكة. لكن اسسها واضحة. ولا علاج جذريا لها بدون معالجة الاصل من العوامل، التي ساهمت في رسم الحالة التي نعيشها اليوم والمرشحة ، ان تواصل ذات النهج والتفكير، ان تنزلق الى ما هو اسوأ ، بما في ذلك ما بات يهدد العراق كدولة موحدة .
ان واحدة من الاشكاليات التي تتفاقم كل يوم هي مسالة البطالة، ونسبها التي اخذت في الازدياد ( اكثر من 25 في المائة كما اعلن رسميا). والحديث يدور الان خصوصا عن بطالة خريجي الكليات والمعاهد، والتي تقول وزارة التخطيط انها في توسع. لا بل ان الحديث يجري عن بطالة كبيرة بين حملة الشهادات العليا ( الماجستير والدكتوراه ) وهو ما عبرت عنه تظاهراتهم امام وزارة التعليم العالي . هذا كله، اضافة الى تفاقم نسب الفقر ( ربما تجاوزت الان 40 في المئة ) والعجز عن توفير لقمة العيش ، هو ما دفع هؤلاء العاطلين من الخريجين الى اطلاق حملة « اريد اتعين .. ما عندي واسطة « .
هذه الحملة ، كما غيرها ، ووفقا لما كتب القائمون عليها في مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف الى تسليط الاضواء على احدى المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا ، وهي المشكلة المتعلقة بمدى توفر العدالة في التعيينات بالوظائف العامة للدولة ، من اولها وابسطها حتى اعلاها ، والى تعيين اصحاب الدرجات الخاصة. فمن المعروف ان لا عدالة في الموضوع، لا سابقا ولا حاليا ، بل ان الامر سائر الى مزيد من التفاقم مع حالة التقشف المعلنة ومحدودية الوظائف المثبتة في موازنة 2015 .
نعم، التعيينات (في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ) لا تتم على اساس الكفاءة والخبرة والنزاهة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. انها تتم عبر المحسوبية والمنسوبية والواسطة والوجاهات ، وتقاسم الدرجات الوظيفية بين الكتل السياسية المتنفذة. بل ان الكثير منها يتم عبـــــر الرشى ودفع المال. وهناك مافيات كاملة تعمــــــل في هذا السياق. فالوزارات عموما غدت ضيعات لامرائها يصولون فيها ويجولون كما يحلو لهم ولا من رقيب ، والنزاهة عينها على الاسماك الصغيرة تاركة الحيتان طليقة حرة. ومجلس النواب يغط في سبات عميق لانه جزء من مشكلة المحاصصة الطائفية - الاثنية ، وتهيمن على عمله الكتل المتنفذة التي بات واضحا ان همها الاول هو الاستحواذ على مواقع الهيمنة والسيطرة والنفوذ والحصص والمغانم « والتوازنات « المزعومة التي تنمي ذلك في الواقع وتكرس لعنة المحاصصة وتشرعنها .
على ان من الواجب الاشارة الى انه لا عدالة في التعيينات من دون الخلاص من المحاصــــــــصة والفساد ، ومن دون سيادة دولة القانون والمؤسسات ، وتوفير الفرص المتكافئة ، واعتماد مـــــــــبدأ المواطنة. ويبقى هاما تخليص اقتصادنا من جانبه الاحادي الريعي، وتحويله الى اقتصاد تعددي منتج متطور ، يتوجه نحو تحقيق تنمية مستدامة توفر العيش الكريم لابناء العراق ، وتعظم من فرص العمل والحصول عليه بدون وساطات ورشاوي ودفع اموال كبيرة تصل الى الاف الدولات !