المنبرالحر

مت .. قاعـداً / فاروق بابان

في وطني يقضي الإنسان زهرة عمره وهو ينتج ويبدع من خلال عمله ليضمن عيشاً كريماً له ولعائلته، فيحدوه هدف خدمة الناس، اذ تتخلل محطات حياته التي يمر بها التعب والمناكدة واذا اشتغل في السياسة سيكون مصيره السجون والفصل الوظيفي.
هذا المواطن «الانسان المتقاعد» ضحى من أجل الوطن وهو لا يملك شبراً فيه أو حتى سقفاً يؤويه. وعندما يتجاوز على فسحة ارض لغرض السكن والهرب من غلاء الايجارات قيل عنه «حواسم».. ولسان حاله يقول: بمَ التعلل لا أهل ولا وطن ولا نديم ولا كأس ولا سكن.
تمضي سنوات العمر ويكبر الاولاد ويستقل كل بحياته، حينها تعصره الوحدة ويأكله المرض، وربما يرميه الأولاد في دار المسنين أو يترك على قارعة طريق، فلا اصحاب يسألون عنه والأهل انشغلوا بأحوالهم، ولانه من وجهة نظرهم لا يطاق وبالمفردة الشعبية «نقناقي»، في مقابل ذلك ثمة ما يعُينه في دنياه وهو راتبه «التقاعدي» ومن مواجع «المتقاعد»، الفرق الحاصل في رواتب الكثير منهم رغم وجود الشهادة وسنوات الخدمة المتساوية بحجة انهم أحيلوا الى التقاعد قبل رفع «التسكين» وهذا بالنسبة للموظفين. أما المشمولين بقانون تقاعد الضمان الاجتماعي فرواتبهم شحيحة لا تكفي قوت فرد واحد ولشهر. وبالرغم من ايجابيات قانون «التقاعد الجديد» لكنه لا يخلو من ثغرات تحتاج للمراجعة، والانكى من ذلك والأصعب عند الاحالة الى التقاعد هو تأخير معاملة تقاعده التي قد تستمر أشهراً أو سنة، من دون ان تفكر الجهات المسؤولة في كيفية معيشته.
يأخذني الشجن عند مراجعة دوائر التقاعد، فالأمكنة لا تشيع فرحاً حيث لا خدمات ولا وسائل راحة، و سوف تتذكر لا محال «مديرية دفن الموتى» احدى مديريات أمانة العاصمة. قد يظن البعض انني سوداوي، لكنه الواقع الذي نسعى جاهدين الى تغييره أسوة بدول تحترم متقاعديها، حيث توجد ضمانات اجتماعية ومنظومة مؤسسات حكومية أو أهلية لتقديم خدمات السكن والرعاية الصحية والعلاج وبمساهمة الدولة ومراكز العمل التي عمل فيها المتقاعد، وهذه الضمانات متوفرة للمتقاعد حسب رصيده التقاعدي أو في التأمين الصحي أو مساهمته في شركات السكن.
أخاطب اصحاب القرار قائلاً: هل تريدون ان تقولوا لهذا الانسان «مت قاعداً».
الا ترغبون في راحته بعد سنوات مضنية في العمل لإشاعة الفرح من حوله ايماناً بالحياة؟