المنبرالحر

ويكي.. أس! / قاسم السنجري

ما أن ضغط أسانج صاحب موقع ويكيليكس زر الإرسال لآلاف الوثائق المسربة من وزارة الخارجية السعودية والتي كان للعراق نصيب فيها، حتى تعالت الصيحات والصرخات وعلامات الدهشة ترتسم على وجوه المواطنين وكأنهم يعلمون للمرة الأولة أن للعديد من القوى السياسية متنفذة كانت أم مهمشة علاقات بدول اقليمية.
وثائق أسانج أو ويكيليكس، لم توفر اسماء كبيرة لقادة كتل وأحزاب وضباط سابقين، بل وحتى إعلاميين ومقدمي برامج، ولكل اسم من هذه الاسماء نصيب في طبيعة التعامل التي تورط به مع الخارجية السعودية، ولو ثنيت الوسادة لاسانج واستحصل على وثائق لوزارات خارجية أخرى لرأينا اغلب الأسماء التي وردت في وثائق الخارجية السعودية تتكرر في وثائق أخرى وبلدان أخرى.
إن ما يحبط حقاً هو أن هذه الفورة لم تتجاوز عدة أيام حتى سكنت وكأنها زوبعة في فنجان، وعاود من ظهرت اسماؤهم في الوثائق إلى تفعيل نشاطهم بل ازداد ظهورهم في وسائل الإعلام وكأن تهمة العمالة لدولة أخرى لا تعنيهم أو اصبحت ميزة يتباهى بها المتنفذون، بل أن احدهم ذهب إلى القول أنه صديق للجميع، وهذا التصريح يضعنا أمام أزمة مفاهيمية شائكة، حيث تتبدل بعض المفاهيم التي تعد مسيئة إلى شارات تميّز يتباهى بها مرتكبوها، وحيث تتحول صفة «العميل» إلى «صديق» فأن المعايير الأخلاقية سترتبك أم هذا التجديد الذي تبتكره الانتهازية السياسية، وليس من الصعوبة بمكان أن يختلف معيار الوطنية الذي نعاني من فقدانه هذه الأيام عند البعض مع دعوات الانفصال والتقسيم.
إن الحديث عن اختراق الأمن القومي للبلاد قد يعد نكتة باردة، لا تثير رغبة الضحك لدينا، لأن البلاد التي تهيمن على أكثر من ثلثها عصابة ظلامية منذ أكثر من عام لا يمكن الحديث فيه عن أمن قومي، بل وحتى لدى بعض المراقبين السياسيين والأمنيين يتندرون بأن العراق مخترق لأغلب أجهزة مخابرات العالم حتى جهاز المخابرات الموزمبيقي، وهذه الطرفة تشير إلى مدى الخلل في التحصين الأمني للبلاد ومسؤوليها.
إن سكوت الشارع العراقي عن ما كشفته وثائق ويكيليكس، يستمد صمته من الحكومة والدولة العراقية التي لم تتعامل بجدية مع هذا الخرق الأمني الفاضح، حين يكون فيها مسؤولون تنفيذيون وسياديون على علاقة بدول أخرى وهذه العلاقة مشكوك في نوعيتها بحسب ما أوردته الوثائق، حيث ان الوعود البرلمانية بتشكيل لجنة للتحقيق في هذه الوثائق قابلها صمت حكومي عن أي إجراء ستتخذه الحكومة سوى تصريح لم يتكرر لوزير الخارجية العراقية الذي ربط الإجراء بصدقية هذه الوثائق، ويبدو أنهم غير مصدقين بوثائق اعترفت بها السعودية التي سُرّبت من خزانة وزارة خارجيتها.
كل لجنة في العراق مصيرها السكوت، حيث لا إعلان عن نتائجها ولا عمّأ توصلت إليه، فحين تريد تمييع أمر ما في العراق فما عليك سوى تشكيل لجنة مثقلة بالأعضاء ولا تنتظر منها أي تقرير، وكذلك مصير اللجنة التي يعتزم البرلمان تشكيلها فيما اذا قُدّر لها وتشكلت فأنها ستحوّل وثائق ويكيليكس إلى ويكي أس ولا كلمة!