المنبرالحر

المغرب تعيد الاعتبار للعقل العربي! / مرتضى عبد الحميد

في ظل شيوع فكرة المتاجرة بالدين الإسلامي، وحرفه بأتجاه توظيفه لخدمة أجندات سياسية، وطموحات ذاتية أنانية، كما هو الحال في بلدنا والبلدان العربية والإسلامية الأخرى، جرى استغلال المشاعر الطيبة والنبيلة لملايين البسطاء من الناس، الذين يتوقون إلى العيش الكريم، والتمتع بخيرات بلدانهم، ويأملون التخفيف من التفاوت الطبقي، وتحقيق قدر مناسب من العدالة الاجتماعية بالإضافة إلى ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ودون أكراه، كجزء من حرية التعبير والمعتقد، التي ترتقي إلى مستوى المقدس في البلدان الديمقراطية، الحريصة كل الحرص على احترام إرادة شعوبها وسعادتها.
من فكرة المتاجرة بالدين، انبثقت فكرة أخرى أكثر انحرافاً وضرراً، وهي المحاصصة الطائفية وتوابعها، فأسست لدينا دولة فاشلة بكل المقاييس، وأوصلت إلى دفة الحكم اناساً لايجمعهم أي جامع لا بالكفاءة ولا بالنزاهة، ولا بأحترام الذات أصلا. وها نحن نعيش المأساة صباح مساء، غير قادرين على النهوض من تحت الأنقاض، رغم الجهود المبذولة من بعض المخلصين الذين يدركون عمق الهوة التي ننحدر إليها.
أن تسييس الدين، وحرفه عن أهدافه الحقيقية، لا ينتج هذه الثمرة المرة، وحسب، بل يولد سموماً، غير قابلة للعلاج، كما هو حال»داعش» والقاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية، لان الانحراف يقود إلى التطرف حتماً، وهذا بدوره لا يقف عند حدود معينة، وإنما سيذهب إلى مداه الأقصى، طالما كانت البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية ملائمة لتمدده وانتشاره.
وسط هذه الغابة من الأفكار والممارسات ما فوق السادية، ينبثق شعاع من الأمل، محلقاُ في سماء المغرب الشقيق، بقرار سياسي جريء، جسده المرسوم الملكي المغربي الجديد، الذي منع رجال الدين المغاربة من ممارسة أي نشاط سياسي، أو اتخاذ موقف نقابي، مؤكداً في ذات الوقت على علمانية الدولة، باحترام ممارسة الشعائر الدينية وحمايتها. كما اهتم بشكل خاص بأحترام المساجد والحفاظ على هيبتها عن طريق منع استخدامها للإخلال بالطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء، وإلزام من يرتادها بالزي المغربي، منعاً لارتداء الدشاديش التي تعلو عن الأرض بشبرين أو أكثر على الطريقة الأفغانية. والرائع أيضا انه طلب من العاملين في الحقل الديني التحلي بصفات الوقار والاستقامة والمرؤة، بالإضافة إلى منعهم من مزاولة أي نشاط يدر المال في القطاعين الحكومي والخاص، إلا بترخيص من الحكومة، مع استثناء الأعمال الإبداعية والعلمية والفكرية التي لا تتعارض مع مهام رجال الدين.
أنها نقلة نوعية في عالم الفكر والسياسة، وفي ثقافة المجتمع، نتمنى أن لا يطول الوقت، ونراها في عراقنا العزيز، لتنقذ شعبنا المظلوم من محنته ومعاناته، التي لا نظير لها في عالم اليوم، لاسيما وهناك ما يشجع عليها، فلدينا رجال دين متنورون آمنوا بها، ودافعوا عنها بصدق وشجاعة، كما فعل أية الله العظمى حسين إسماعيل الصدر في قولته الشهيرة «من يسّيس الدين فقد أهانه».
أن هذه المقولة الجميلة والذكية، تعبر عن الشعور العالي بالمسؤولية، وتجسد حذاقة المتبصر بأمور الدين، والمعرفة التامة بحدود السياسة والدين، والحرص اللامحدود على عدم اختلاط الأوراق، لان ذلك من شأنه هزيمة العقل أمام هيمنة الجهل، وضآلة المعرفة، والتفكير العقيم، كما هو سائد الآن.