المنبرالحر

ثقافة الدموع! / مزهر بن مدلول

يُقال انّ الشر داخل الأنسان طبع، وانّ الخير تطبّع، فمهما حاول ان يبتسم او يفرح او يُظهر شيئا جميلا، فلا يعثر عليه بنفس السهولة التي يعثر فيها على الكائن الشرير في داخله!، لأن الطبع يغلب التطبّع، ولهذا السبب اشتعلت الحروب منذ ان هشّم قابيل رأس اخيه هابيل والى الآن، وربما ارادوها ان تستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها!.
انّ هذه الحقيقة التي يوحى لنا، بأنها ترتدي ثوبا قدريا، ما هي الاّ مقلب من مقالب الأستبداديين والظلاميين، الذين حاولوا وعلى مر التاريخ، اخفاء كل ما من شأنه ان يسعد البشر، وتركوا الأجيال تتوارث الهموم والمآسي!.
فمنذ ان نشأ المجتمع البشري بصيغته الطبقية، والأنظمة الأستبدادية تنظر الى الشعوب على انها كابوسها المرعب، ومن اجل ان تنام هادئة البال، راحت تبتكر الأساليب الشنيعة من اجل القضاء على هذا الكابوس، وواحدة من تلك الأساليب الكثيرة، هي تغييب الوعي العام والأستهزاء بطموحات الناس وآمالها، واخضاعها الى ثقافة اليأس والدموع.
فالحاكم المستبد، ترعبه مظاهر الفرح، ويقضي مضجعه الضحك، وتخدش مسامعه الموسيقى، ويفضح سلوكه النور، في حين انّ جشعه وطمعه وحبه للسلطة، يقتضي المزيد من الظلام الذي يتيح له القدرة على كسر الأقلام وتحطيم التماثيل وقطع الأصابع التي تشير الى اللصوص والقراصنة وقاطعي السبيل.
أمّا في بلادنا التي تحالفت ضدها جميع الأحزان، اكثر مما تحالفت الجيوش لتحرير كوسوفو!، فيسعى الفاسدون فيها، الى ان يؤسسوا من عذاباتنا ثقافة متأصلة كما لو انها قضاء وقدر!، وذلك بهدف تكريس الأستسلام والخنوع، مستخدمين لهذا الغرض وسائل عديدة (دينية وسياسية واجتماعية واعلامية وغيرها)، والتي جميعها عنوانها الموت وتفاصيلها الخوف.
والحلقة الأكثر اثارة في المسلسل العراقي العجيب!، انّ هؤلاء الذين رفعوا الشعارات الجميلة في حملاتهم الأنتخابية، ووعودنا بالأنتصار التاريخي على الأرهاب والفساد وصيانة حق الأنسان في الحياة باعتباره حقا مقدسا، تحولوا بقدرة زمن اعمى، الى سماسرة يتاجرون بآلامنا، ويستخفون بمصير بلدنا وشعبنا.
ففي الوقت الذي يعيش فيه الملايين من ابناء العراق في العشوائيات واحياء الصفيح ومخيمات المهجرين واكداس النفايات، يقدم لنا الفاسدون الحل السهل!، وهو ما علينا الاّ ان نتذكر الخراب ونبكي على الاطلال، لا من اجل ان نتجنب تكرار المآسي واحتواء عواقبها، ولا من اجل خلق فرص لحياة جديدة بمعايير جديدة، وانما من اجل ان تصبح مأساتنا هي ملهاتنا الوحيدة، وبهذه الطريقة، كما يظنون، يلغون ارادة المواطن، ويقضون على احساسه الذاتي، الذي بدونه لا يمكن ان يتحقق انتاج روحي ولا ابداع عقلي.
لكن التجربة التاريخية للمجتمعات والشعوب، وخاصة تلك التي نالت حريتها قبلنا، تقول: انّ الدوائر سوف تدور، وانّ الريح سوف تهب، وانّ الحاكم المستبد مهما كان طغيانه ومهما كانت قوته لا يمكنه ان يجمع العاصفة في حقيبة!.