المنبرالحر

سلاح في بيتي! / قيس قاسم العجرش

في إجتماع أسري، لم يكن مستغرباً الإجماع على ضرورة وجود سلاح في البيت. والأسباب المساندة كانت وفيرة ولا تحصى بينما خفت الصوت الذي عارضَ وجودَ السلاح داخل البيت حتى غدا وحيداً وبدا وكأنه غير واقعي تماماً.
منازلنا اليوم فيها أسلحة نارية بشكل مُفرط. وجود قطعتين أو أكثر من السلاح في كل بيت صار طبيعياً بينما يزداد هذا المعدل في الأرياف والأقضية والنواحي.
وهناك يتطور ليصبح الأمر وسيلة تتعلق بالإعتداد بالنفس والمشاركة العشائرية والظهور في المناسبات الإجتماعية.
ومن مجريات تحقيق تلفزيوني ساقني الى محافظة البصرة لأفتش عن اسباب «الحروب العشائرية» التي حدثت ومازالت تحدث هناك، أكد لي عدد غير قليل من مسؤولي المحافظة أن السبب الأول لتصاعد حدّة النزاعات المسلحة كانت عملية سحب وحدات الجيش والتحاقها بالقتال في جبهات المواجهة مع الإرهاب.
لكن لماذا يتمكن الجيش من تأمين حالة العزل بين العشائر ومنعها من الإشتباك مع بعضها بينما تفشل الشرطة المحلية في ذلك؟. السبب ببساطة هو كلمة»محلية» التي تلحق بجهاز الشرطة هناك. فالأفراد والضباط المنتسبون لجهاز الشرطة في المناطق التي تشهد نزاعات عشائرية هُم في أغلب الاحيان جزءٌ من هذا النزاع أو على الاقل فإنهم منتمون لذات العشائر المتحاربة.
ولكي نفهم حجم القضية فإن عام 2014 لوحده شهد 62 حالة قتل في نزاع عشائري في محافظة البصرة لوحدها. كما تراكم لدي عدد من مقاطع الفيديو لهذه النزاعات تشبه الى حد بعيد ما يحدث اليوم في جبهات القتال ضد داعش.
وفي المدن، لا يكاد يمرّ يوم دون حصول حالة قتل نتيجة استخدام السلاح الناري داخل الأسر وفي الأزقة أو ضمن خلاف بين جارين فضلاً عن حالات الإنتحار المستمرة التي تسجلها الشرطة وباستخدام الأسلحة النارية المنزلية تحديداً.
من هذه الصورة يتضح أن السلاح ووجوده قد دخل في منظومة الأعراف الإجتماعية وصار «قيمة» إجتماعية مُنحرفة(لا يعترف حائزوه بانحرافها) لكنها اكتسبت في النهاية المقبولية العامة.
إذن، نحن إزاء تشوه مجتمعي قديم دخل أطواراً جديدة بسبب الظرف الأمني الذي يتواصل بالتذبذب منذ ثلاثة عقود على الأقل.
مواطن لا يشعر بالأمن أو بذاته إلا إن كان مُقتنياً لقطعة سلاح، ومواطن لا يشعر بالإنتماء الى عشيرة إلا إن حمل سلاحه وأطلق الرصاص في أفراحها أو أحزانها أو حين ترغب بالتعبير عن غضبها تجاه عشيرة أخرى.
هل يمكن ان نتصور للحظة شكل الجيل الذي يخرج الى الدنيا الآن ويجد أمامه هذه الصورة؟.