المنبرالحر

ثورة تموز، العرس الوطني الذي لم يكتمل .. دروس وعبر/ عادل كنيهر حافظ

كانت وما زالت وستضل ، ثورة ألربع عشر من تموز ، أعظم وأروع حدث في تاريخ العراق الحديث ، حيث نزعَ الرجال الأبرار ، من قادة الشعب والجيش ، ثياب الذل والاستعمار ، من مواطنيهم وجعلوا الشعب سعيداً شامخ الرأس والوطن حراً كريماً ، بيد أن أسلاف الدواعش اتحدوا مع المخابرات الأجنبية ، وتمكنوا من وأد الثورة ، التي فجرها أكثر أبناء العراق وطنية وحمية وإخلاص واستعداد للفداء والجود بالنفس من أجل الوطن ، ولم يتمكن الشعب من قطف ثمارها الواعدة .
ومنذ ُ ذلك الحين والعراق ينزف دماً ، وأحراره في السجون وأنذاله في الحكم ، ويطلقون على ثورة الشعب ، أسم انقلاب عسكري ، لأن يدفعهم شعورهم بالنقص بعدم المساهمة في الثورة التي لها شرف تخليص البلاد من براثن الاستعمار .
وبالرغم من أن ثورة تموز ، لم تأخذ مداها ، إلا أنها قدمت منجزات مهمة ، إضافة إلى تحرير العراق من الاستعمار البريطاني ، وإخراجه من معاهدة بغداد ، ومن دائرة الإسترليني ، فقد كان قانون رقم ثمانين قد حفظ أرض العراق ، من استغلال شركات النفط ، وكان لقانون الإصلاح الزراعي ، دور كبير في إنصاف الفلاحين وتخليصهم من ظلم الإقطاع ، ولو قدر للثورة المضي قدماً لقدمت الكثير . ومن بين أهم الدروس والعبر التي تفيد العراق اليوم في محنته القاسية هي :
1- وحدة الجيش والشعب ، حيث كان الجيش يدين بالولاء للوطن ، ويوالي عموم الشعب ، وشعب مسيس بقيادة وطنية على رأسها الحزب الشيوعي العراقي ، ومتضامن مع جيشه ، وهكذا لحمة بين الجيش والشعب تجسدت في إعصار ثوري طرد المستعمر من البلاد وحرر الوطن من رجسه ، وكم نحن بحاجة اليوم لاستلهام هذا الدرس .
2- وضوح هدف الثورة الرئيسي ، في تخليص العراق من الاستعمار وانتزاع ثرواته من أيدي الشركات الاحتكارية ، ورفع مستوى الشعب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وهذه الأمور يكررها زعيم الثورة الشهيد عبد الكريم قاسم في اغلب خطاباته ، ولم ترفع شعارات قومية ولا طائفية ، مما سهل من تضامن الشعب ولحمته حول الثورة ، وهكذا مثال يفيدنا في الاعتبار به ، في تشخيص عام لمسير العراق ، حيث يجهل الشعب مسيره إلى أين .
3- شكلت الثورة حكومة تنتمي للوطن ، ومن تيارات مختلفة ، دون الأطناب أو التبرقع في هوية فرعية معينة ، غير هوية العراق الواحد فقط ، الحال الذي البسها ثوب الوطنية الحقُة والاحترام الشعبي ، وهذا من الدروس المفيدة في ظرفنا الراهن .
4- حضت الثورة بقيادة وطنية مشهود بنزاهتها ، وعلى رأسها رجل ، يعطي الكثير ويأخذ ما يديم حياته فقط ، بل وحتى قطعتي الأرض التي ورثها من والده تبرع بهما لبناء مدرستين ، وهذا ما جعل الناس يضعوه في (القمر) الأمر الذي يدفع على الاعتبار به في ظرف البلاد الذي يفتقر إلى القيادة المخلصة ، والرئيس الوفي والذي يحضى بحب الشعب .
5- كانت الثورة وقيادتها تميل عملياً إلى إنصاف الطبقات الفقيرة من عمال وفلاحين وعموم الكادحين ، دون أن تعلن تحزبها نظرياً لهذه الشرائح ، مما جنب فئات وطبقات الشعب الأخرى ، من الشعور بالغبن والغربة ، عن مناخ الثورة العام وأجواء البلاد الوطنية . ومن هنا يمكن اخذ العبرة من ثورة تموز وقيادتها في التعامل مع الشعب ، والحفاظ على مشاعر أبنائه .
6- ومن دروس مسيرة تموز التي تنفع لو وضعها ساسة اليوم في الاعتبار ، هو التعامل بحرص ومحبة واحترام مع قوميات الشعب وأقلياته القومية ، ومع معتقداتهم الدينية . حيث كانت حكومة قاسم تقف بمسافة واحدة من الأديان ، رغم الموقف السلبي لبعض القيادات القومية والدينية من الحكومة ورئيسها ، إلا أن زعيم الثورة كان قد زار السيد محسن الحكيم في المستشفى ، رغم الموقف السلبي للمرحوم منه ومن حكومته ، وسجلت الثورة في الدستور لأول مرة أن العرب والأكراد شركاء في الوطن رغم موقف المرحوم المله مصطفى من عبد الكريم قاسم . لكن الشعب الكردي ضل يحب الزعيم ويحترمه ويذكره بالخير .
عموم الحال الذي يؤهل المرء على السؤال دون عناء ، عن إمكانية أن يتخذ رجال العملية السياسية المتنفذين لهم ، مثلاً حسناً في سلوكهم السياسي ، من سلوك رئيس الحكومة الوطنية ، وزعيم الثورة الخالدة، التي قال عنها الشهيد البطل سلام عادل ، زعيم الحزب الشيوعي العراقي ، الحزب الذي شكل السواد الأعظم من جيش الثورة السياسي ، قال أن من يتجاوز على الثورة ، ليس له صلة بالوطنية ، وحب الشعب ، وإنما شأنه الخيانة والعمالة ، وتكريس ثروة البلاد لخدمته وليس لمصلحة الشعب والوطن ، وهو ما تمثل وتجسد فعلاً ، في طبيعة وسياسة البعث ، الذي قال عنها سكرتيره السابق { نحن جئنا بقطار أمريكي} وقطار العمالة والخيانة الذي أوصلهم للحكم ، بعد وأد الثورة ، هو ذاته الذي أخذهم عنوة من السلطة في نيسان من عام 2003 ،ليلقيهم في مزابل التأريخ ، دون مأسوف عليهم ، لكن المجد والخلود ضل يكلل ثورة الشعب ، ويطيب ثرى شهدائها وقادتها الميامين .