المنبرالحر

جمهورنا الرياضي كان مثالياً / مرتضى عبد الحميد

كنا نقول عن الرياضة دوماً، أنها أخلاق قبل كل شيء، وفن ومهارة وتشذيب للتصرفات غير المقبولة، وللتوترات التي تصيب الإنسان في حياته اليومية، ونعرج أيضا على مقولة العقل السليم في الجسم السليم، كناية عن قدرة الإنسان بفضل الرياضة على تحكيم عقله فيما يواجه من مشاكل وصعوبات وسوء تفاهم مع الآخرين، فضلاً عن الارتقاء بسلوكه، واكتسابه صفة مهمة جداً هي حب الآخرين وتقديم المساعدة لهم، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وفي سنوات القحط الأخيرة، صارت الرياضة هي العنوان الأبرز في وحدة العراقيين، بعد أن ضاعت وحدتهم الوطنية في دهاليز ?لطائفية والتخلف وموت الضمائر، وهذا ما لاحظناه جميعاً، عندما كان يفوز المنتخب العراقي بكرة القدم، رغم ندرة ذلك، وكيف كان العراقيون شيباً وشباباً، نساء ورجالاً يملؤون الشوارع متحدين الارهابيين القتلة، وهاتفين بصوت واحد للعراق وشعبه، ولرفعته وتقدمه.
هكذا كانت الرياضة التي شكلت بقيمها الرفيعة، عنواناً ومحوراً فائق الأهمية في تربية الفرد، وفي تعميق شعوره الإنساني والوطني. وكان الجمهور الرياضي العراقي مضرب المثل في الانحياز الواعي لمن هو الأفضل في أدائه على المستطيل الأخضر وفي بقية الألعاب الرياضية، وكم مرة تخلى هذا الجمهور عن تشجيع فريقه، واستبداله بتشجيع الفرق الأجنبية، أو المحلية التي تلعب ضده، لأنها الأفضل لعباً، وامتاعاً له، الأمر الذي أدى إلى أطلاق تسمية الجمهور المثالي على جمهورنا الرياضي ليس من قبل العراقيين وحسب، بل من العرب والأجانب أيضا.
ما يحصل اليوم في ملاعبنا الكروية خاصة، يثير الغثيان، ويشعرنا بالمرارة، والألم والأسف على ما ألت إليه الأمور، فأخيراً وليس اخراً ما حصل في ملعب الشعب، أثناء وبعد مباراة الشرطة ونفط الوسط، عندما خسر الشرطة بهدفين دون رد، حيث اقتلع البعض من جمهوره أكثر من (700) مقعد، ورماها على لاعبي فريقهم والفريق الخصم فضلاً عن الهتافات والكلمات البذيئة، فألى أي مدى انحدرت أخلاقنا الرياضية؟ وفي أي ثقوب سوداء تسرب وعينا؟ ليصل إلى نقطة الضياع والتعصب الأعمى.
لانبالغ أذا قلنا بأن جذور هذا الانحراف، سوف نجدها في النظام السياسي- الاجتماعي السائد في البلد, وفي الحروب العدوانية الداخلية والخارجية التي أبدع فيها نظام «صدام حسين» وما رافقها من حصار جائر وتجويع، وتمزيق للنسيج الاجتماعي العراقي، وبالتالي التخلي عن أخلاقنا وقيمنا، ومنظومة تقاليدنا الجميلة، ثم أضاف لها الحكام الجدد والمحتلون، ما جعل العراق يحتل وبجدارة أسفل قائمة الدول الفاشلة في كل شيء.
كما أن العديد من القائمين على الرياضة، ! لا علاقة لهم بالرياضة ولم يمارسوا حتى لعبة «التوكي»، أو انهم من ذوي الجيوب الواسعة التي لاتمتلئ، من «الرزق الحلال»...
أن الدولة بدوائرها المعنية، وخاصة وزارة الرياضة والشباب، مسؤولة بشكل مباشر عن وضع الحلول الناجحة، ليس لهذه الآفة الجديدة وحسب، وإنما لجميع الآفات والأمراض في كل المفاصل والألعاب الرياضية، بعد التخلص من الفضائيين والفاشلين، واعتماد مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب صدقاً ويقيناً.