المنبرالحر

ثورة تموز حدث كبير في الحياة الأدبية العراقية */ د. عبد الاله احمد

(..حدث كبير ، غير من مجرى الحياة السياسية في العراق تغييرا شديدا، وكان ايذانا بتغيير كبير في الحياة العراقية العامة، اقتصادية واجتماعية و فكرية، لا يمكن أن يكون هؤلاء الأدباء في منجاة من أثره المباشر فيهم. فقد شهدت هذه الفترة من تاريخ العراق الحديث ثورة وطنية كبيرة، هي ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، التي وفقت في تقويض النظام الملكي المرتبط بالاستعمار، واقامة نظام وطني جمهوري بدله. والباحث في الأدب العراقي الحديث في هذه الفترة، يلمس أثرا مباشرا لهذا الحدث السياسي الكبير في الحياة الأدبية، يتمثل في كثرة الانتاج الأدبي، شعرا ون?را، الذي يصادفه، خاصة في السنة الاولى للثورة، ولا يخلو بعضه من جودة فنية تذكر، فيما يبدو معه للوهلة الاولى، وكأن الحياة الأدبية تشهد ازدهارا نشطا، يتضح في الأدب القصصي، في هذا العدد من المجموعات القصصية الهامة في تاريخ الأدب القصصي التي نشرت مثل (حياة قاسية) لشاكر خصباك و (عباس أفندي) لعبد الرزاق الشيخ علي، و(مولود آخر) لغائب طعمه فرمان عام 1959، و( الوجه الأخر) لفؤاد التكرلي و(غضب المدينة) لمهدي عيسى الصقر عام 1960، كما أتضح أيضا في كثرة القصص التي يلمسها الباحث في هذه الفترة، الى عاملين يتصلان بقيام ال?ورة اتصالا مباشرا:
أولهما: ان الثورة بما أشاعته من حرية في العراق، الذي ظل حبيس القوانين الجائرة التي تحد من هذه الحرية طيلة الحكم الملكي، أتاحت للعديد من قصاصي الخمسينات وغيرهم، أن يضموا انتاجهم القصصي المتناثر هنا وهناك الى بعضه وينشروه في مجموعات قصصية. وهو انتاج كان بعضه ما كتبه أصحابه قبل الثورة ولم يجرؤوا على نشره خوفا، أو كانوا قد نشروه مفرقا في الصحف والمجلات في العراق أو غيره، ولم تتح لهم الظروف المحيطة بهم آنذاك، ضمه الى مجموعة قصصية، وفي بعضه الكثير مما لا ترغب السلطات الحاكمة في العهد الملكي، أن تراه مطبوعا في ك?اب يتداوله القراء العراقيون.
وثانيهما: ان الثورة، بعد تقويضها للنظام السابق، وشل مؤسساته البوليسية التي مارست اضطهادا وقهرا معروفين في تاريخ العراق، فقد هيأت المناخ الملائم للأدباء لكي يفجروا مشاعرهم الوطنية المكبوتة التي اختزنها عميقا في نفوسهم، والتي كانوا يخشون الافصاح عنها طيلة العهد السابق، فاندفعوا يكتبون عددا من القصص، التي يمكن ان تعد من قصص الاستجابة الاولى للثورة، أدانوا النظام السابق، وصوروا ظلمه واضطهاده للعراقيين ، كما سعوا الى تصوير جانب من حياة الفئات الفقيرة المسحوقة منهم، توضيحا لما كان عليه حال الشعب من بؤس في الع?د الملكي. كما كتبوا عددا آخر من القصص رحبوا فيه بالثورة. وصوروا ساعات قيامها الاولى، واستقبال الجماهير الملتهب لها، وما يأملونها على يديها من خير يعم ارجاء البلاد.
على ان هذا الأدب الذي نشر بعد الثورة، رغم كثرته وجودة بعضه لم يكن يشير الى ازدهار حقيقي في الحياة الأدبية، فالكثير منه كان أدبا آنيا يتلبس بالمناسبة ويرتبط بها، وتطغي عليه المباشرة في التعبير، ولا يخلو من تعليمية تزج فيه زجا، وليس فيه ما يصور العالم الجديد الذي جاءت به الثورة، كما لم يكن فيه ما يرقى الى مطامح الجماهير الغفيرة، التي بدت، وقتذاك، متفائلة فرحة، مستبشرة على نحو طفولي، لا يحسب للواقع الموضوعي حسابا، يعد مزدهرا، يحقق للعراق ما طمحت القوى الوطنية دوما أن تحققه له من حرية وسعادة ورفعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقال من كتابه الأدب القصصي في العراق الجزء الاول- منشور وزارة الاعلام العراقية عام 1977