المنبرالحر

57 عاما على ثورة تموز الخالدة / عاصي دالي

لقد عانى وطننا الحبيب من الاحتلال العثماني مايقارب أربعة قرون , بدءاً من عام 1532- 1918 وتعرض خلال تلك الفترة إلى شتى أنواع الجوع والقهر والاستبداد من نير الحكم الجائر الذي نهب ثرواته الوطنية , وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 , دخلت الدولة العثمانية في تحالف مع ألمانيا ضد محور الحلفاء المتمثل بدول بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية أدت في النتيجة الى انتصار الحلفاء بزعامـة بريطانيا وسقوط الدولة العثمانية وتقسيم مناطق نفوذها وضمن معاهدة سايكس بيكـو عام 1916 أصبح العراق من حصة الدولة البريطانية التي جاءت بشعارات براقـة بانها جاءت محررة من احتلال العراق من قبل الاتراك والالمان ودعت اهل بغداد للتعاون معها لاجل تحقيق أطماحهم القومية لكن شعبنا الابي لم تنطل عليه هذه الادعاءات وسرعان ما اكتشف اللعبة البريطانية في احتلال بلـده وانتفض في ثورته المجيدة في عام 1920 وتم تشكيل دولته الاولى.
ورغم عدم تحقيق الثورة لأهدافها الموسومة لكنها , كانت نقطة ناصعة في صفحة النضال الثوري للعراقيين , والتي عبرت عن وحدته وامتزاج الدماء الزكية لجميع مكوناته من شماله الى جنوبه، بعربه وكرده وبجميع دياناته المختلفة.
وبرزت بعد ذلك حركات وطنية عدة تناضل من اجل حرية واستقلال الشعب العراقي وتصبو لبناء دولة تحفظ كرامته وتصون اقتصاده الوطني ، ومن ابرزها تاسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 الذي كان له دور رئيسي في مقارعة الاحتلال والحكومات الرجعية المرتبط به وقدم الحزب خيرة ابنائه في سفر النضال الدؤوب ومنهم قادته فهد , حازم , صارم الذين اعدموا عام 1949 وعندما انتخب الرفيق سلام عادل سكرتيرا للحزب الشيوعي العراقي في حزيران عام 1955 كان من أولى أولياته هو اعادة العمل بمضمون الجبهة الوطنية والمنبثقة من خلال الانتخابات البرلما?ية في عام 1954والتي تعرضت الى الجمود نتيجة للحملة الارهابية التي قادتها السلطة آنذاك بقيادة نوري السعيد من اجل فرض دخول العراق الى حلف بغداد (سيئ الصيت)، ومن هذا اصبح ادراك جميع الاحزاب والقوى الوطنية بان مهام الخروج من حلف بغداد واطلاق الحريات الدستورية لا يمكن لاي حزب القيام به بمفرده مهما أوتي من اسباب القوة والمنعة، ولكن تحقيقها يتطلب من جميع الوطنيين الانضمام الى جبهة تضم جميع الاحزاب والقوى الوطنية.
وشهدت الساحة السياسية في عام 1956 تظاهرات جماهيرية واسعة فعمت جميع المدن العراقية وتطورت الى انتفاضة شعبية واسعة احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر، بالمقابل تصاعدت اساليب القمع والارهاب من قبل السلطة الرجعية لصد تلك التظاهرات بالقوة واستخدام الرصاص ضد ابناء الشعب، وسقط العديد من الشهداء واعتقل المئات من المتظاهرين وزج بهم في السجون، وطالت هذه الحملة حتى قادة الاحزاب الوطنية فقد حكم على السيد كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديقراطي بالسجن ثلاث سنوات ونفي قادة حزب الاستقلال فائق السامرائي وصديق شنشل واعد? الشيوعيان علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس في مدينة الحي (محافظة واسط ).
وان مجمل الاحداث وضعت القوى الوطنية امام مهمة آنية ملحة وضرورية لمقاومة الهجمة الشرسة للسلطة ولتحقيق ذلك. وانجازه كان يتطلب تحالف جميع القوى الوطنية، ورغم صعوبة الوضع السياسي القائم انذاك، ومرور المباحثات بين القوى والاحزاب الموجودة على الساحة السياسية بالمد والجزر، لكنها اتفقت في النهاية، على قيام الجبهة الوطنية (جبهة الاتحاد الوطني) واصدرت لجنتها العليا بيانا في 9/3/1957 اوضحت الاسباب الموجبة لقيامها وحددت مطالبها الوطنية الكبرى كما يلي:
1ـ تنحية وزارة نوري السعيد وحل المجلس النيابي
2ـ الخروج من حلف بغداد وتوحيد سياسة العراق مع سياسة البلاد العربية المتحررة.
3ـ مقاومة التدخل الاستعماري بشتى اشكاله ومصادره وانتهاج سياسة عريقة مستقلة
4ـ اطلاق الحريات الديمقراطية الدستورية.
5ـ الغاء الادارة العرفية واطلاق سراح السجناء والمعتقلين والموقوفين السياسيين واعادة المفصولين من المدرسين والموظفين والمستخدمين والطلاب لاسباب سياسية
وكان مجرد اعلان جبهة الاتحاد الوطني يمثل نصرا تاريخيا للحركة الوطنية العراقية وتوحيد جميع القوى الحزبية واللا حزبية والتفافها حول الاهداف الرئيسة للحركة الوطنية وكما رأى بعض الوطنيين من ( ان تنامي الوعي الوطني واشتداد قوة الحركة الوطنية وتشكيل جبهتها الوطنية الموحدة في عام 1957 كانت احد العوامل التي ساعدت في انعكاس ذلك على الضباط في الجيش العراقي وتكونت اللجنة العليا للضباط الاحرار) من جانب اخر فقد صعد الحزب الشيوعي العراقي الحركة الاضرابية بين العمال كجزء من التمهيد للثورة، ففي اعوام
1957ـــ 1958 شهد العراق العديد من الاضرابات العمالية وهي تطالب بتحقيق مطالبها العادلة من رفع الاجور وتحسين ظروف العمل وكان من اهمها اضراب عمال معمل نسيج الوصي في 24/3/1957 والعمال الزراعيين في 20/4/1957 واضراب 600عامل من عمال شركة الغزل والنسيج واضراب عمال شركة (هوكيف) الالمانية في العام نفسه وقد تعاظم نشاط الحزب الشيوعي بين الفلاحين ولعبت الجمعيات الفلاحية (السرية) التي شكلها الحزب الشيوعي دورا مهما في رفع مستوى وعي الفلاحين في نضالات جماعية لتحقيق اهداف الحركة الفلاحية ففي ربيع 1958 رفع 300 فلاح السلاح في الدغارة والرميثة في (محافظة الديوانية) مطالبين بتطبيق قانون (المناصفة) الذي اقـرته الحكـومة بعد نضال طويل لشريحة الفلاحين والذي يعطي بموجبه نصف المحاصيل للفلاح وقد تلتها مناطق اخرى في 29/5/1958 اذ حمل السلاح اكثر من 350 فلاحا في منطقة ( خيري ) 7 كم جنوب الديوانية ، واصدر الحزب الشيوعي العراقي بيانا في حزيران عام 1958 اعـرب فيه عن مساندته المطلقة لانتفاضة الفلاحين وحث الشعب على مساندتها وقد اعرب فلاحو الشامية والفيصلية والحمزة والقاسم المدحتية والمحاويل ومناطق اخرى متعددة مساندتهم للانتفاضة والاستعداد لخوض المعـركة معهم، وقد تمكن الفلاحون من تطبيق (القسمة) بعد هروب الملاكين الى المدينة مستنجدين بالسلطة لحمايتهم، وبقي الفلاحون في اعلى مزاج ثوري حتى بزوغ ثورة 14 تموز 1958 المجيدة، وكان للشيوعيين دور بارز في الثورة فقد ارسل سلام عادل برقية تهنئة في صبيحة انبثاق الثورة اكد فيها وضع قــوى الحزب الى جانب ومؤازرة الثورة والدفاع عنها، كما كان للشيوعيين العسكريين دور مهم فيها وفي احباط محاولات التعـرض لها وافشالها وبالاخص التحرك الذي قام به قائد الفرقة الاولى في الديوانية (عمر علي) بالتمرد ضد الثورة حيث بادر الرئيس الاول كاظم عبد الكريم ابو سنة والرئيس كاظم التعيسي والملازم الاول احسان البياتي وعدد من الجنود المخلصين للسيطرة على الفرقة والقيام بحجز قائدها وارساله محفوظا الى بغداد.
المجد والخلود لشهداء ثورة الرابع عشر من تموز
المجد والخلود لشهداء الحركة الوطنية