المنبرالحر

النسيان وما أدراك ما النسيان! / طه رشيد

يتساءل البعض عن النسيان والبحث عن جواب شاف عن السؤال التالي: هل النسيان نعمة أم نقمة؟ وهنا ينقسم الناس إلى فريقين احدهما يرى بأن النسيان نعمة لأنه يريح الإنسان من تذكر أحداث مؤلمة وموجعة ومرهقة للذهن والذاكرة. بينما يرى الفريق الثاني عكس ذلك، باعتباره نعمة حين يتعلق الأمر بنسيان ما يكدر المزاج ويقلق الذهن حتى وصل الأمر بإحدى النساء مواسية صديقتها التي فقدت زوجها المزعج مبكرا:» يمعوده لتنقهرين..شهر شهرين وتنسيه». وينقسم النسيان حسب العلماء إلى أنواع مختلفة ومنها النسيان المفتعل والنسيان الانتقائي وفي هذه الحالة، لا يتمكن الفرد من تذكر الأحداث القريبة، وذلك لشدة تأثره بأزمات انفعالية نفسانية المنشأ. لذا يتظاهر بعجزه عن تذكر الأحداث القريبة، أي انه يتناسى. وخطورة هذه الأنواع من النسيان تكبر حين يتمسك به قادة البلد من سياسيين أو مثقفين لانهم سيلوون عنق التاريخ ويقلبون الحدث فتختلط الأوراق وتضيع الحقيقة ونخسر الرؤية الصحيحة للماضي التي يفترض بها ان تؤدي الى قراءة صحيحة للحاضر واستشراف افضل للمستقبل. ونحن في منتصف تموز واواخر شهر رمضان الكريم نستذكر ثورة 14 تموز 58 وما حققته من إنجازات للمواطن العراقي أولا وللوطن ثانية وقد اعترف حتى أعداء الثورة بتلك الإنجازات التي حولت المواطن الى كائن سعيد ببيته الجديد، وامتلاك الفلاح أرضه بعد أن كان عبدا للاقطاعي. وبانشاء عدد كبير من المصانع والمستشفيات والمدارس التي لم تستطع كل الحكومات المتعاقبة ومنذ انقلاب 14 رمضان 1963 المشؤوم ولحد اليوم، من الوصول الى تلك الإنجازات. أما على مستوى الوطن فقد تحقق الاستقلال السياسي بالكامل الذي اضاعته الحكومات المتعاقبة حتى أضحى ثلث العراق محتلا من قبل قوى خرجت علينا من العصور المظلمة لتزيد في ظلام المدينة وتحجب الرؤية عن البلاد والعباد. وعودة موضوعة النسيان المفتعل والنسيان الانتقائي فإن بعض السياسيين وأقل عددا من المثقفين يعتقدون بأن ثورة 14 تموز، رغم انجازاتها الكبيرة ، قد فتحت الباب على مصراعيه أمام الانقلابات الدموية ، وهم هنا يتناسون بأن حكومة ثورة تموز قد اعفت عدداً كبيراً من المتآمرين ضدها من عقوبة الإعدام التي كانوا يستحقونها والذين نجحوا لاحقا بانقلابهم المشؤوم في 8 شباط 63 وقاموا بقتل الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه الميامين بدم بارد ومن دون محاكمة وفي منتصف شهر رمضان!
ان أولئك النكرات من «بعث» عفلقي ووريثهم صدام هم من فتح مجرى الدم وحول العراق إلى ساحة حرب ما زالت مستعرة. وأما ما حصل في قصر الرحاب فمعروف من الذي كان وراءه وتآمر لاحقاً على ثورة 14 تموز واغتيال الزعيم قاسم (الذي سبق وأن اعفى المتآمرين) متخذا مبدأ «عفى الله عما سلف « نهجا له. أولئك «المتآمرون» انجبوا بعد ذلك ضباط المخابرات وضباط الحرس الخاص والذين تحول بعضهم اليوم إلى قياديين لعمليات داعش في الموصل وصلاح الدين وديالى والرمادي. النسيان المفتعل أو النسيان الانتقائي لا يسقط الجريمة بسبب تقادمها ونتمنى من القضاء العراقي فتح تحقيق بجريمة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه في دار الاذاعة العراقية نهار الخامس عشر من رمضان 63 ! لكي يحق الحق وتنتصر العدالة ونطوي صفحات عراقية ملطخة بالدماء!