المنبرالحر

عيد النازحين / قيس قاسم العجرش

أسوأ ما في الإعلام إنه حين يكرر جملة أو كلمة، فإنها تفقد وقعها على الأسماع وتستنزف قوتها بالتكرار وتصير أمراً واقعياً معاشاً بشكل يومي لا ضرورة للوقوف عنده.
النازحون (البشر والمواطنون الأسوياء الذين تركوا كل متعلقاتهم ومنازلهم وتاريخهم وخرجوا يطلبون الأمن).،هؤلاء تحولوا أيضاَ الى جملة إخبارية تتكرر وتفقد معناها بالتكرار. ومع هذا الفقدان تتراجع مسؤولية المسؤول عن غوث هذه الكارثة الوطنية.
هؤلاء سيمرّ عليهم ما يسمى العيد( أقول ما يسمى لأن من المعيب أن نصِف الأيام التي ستمرّ عليهم بأنها عيداً).سيمر بطريقة غرائبية لن يفهمها الأطفال وستخطئها عيونهم الحائرة.
في مخيم للنازحين قرب عامرية الفلوجة، خرجت من بين الأطفال طفلة متميّزة، قال لي أقرانها أنها ستتكلم بالنيابة عنهم لأنها (أشطر) واحدة بينهم، ...لماذا أنت (اشطرهم) ؟.
قالت مع ابتسامة حلوة تأسر من يراها: إنها تقراً أكثر من الآخرين ولهذا تحصّلت على درجات أفضل منهم. حتى إنها حازت على درجة كاملة في اللغة الإنكليزية قبل أن تنقطع علاقتها مع المدرسة وتصبح مجرّد صورة في ذاكرتها.
طفل آخر قال بمرارة إن السيارة تأتي يومياً لتأخذ التلاميذ النازحين من المخيّم الى بلدة عامرية الفلوجة وهناك تقف عند المدرسة التي لا مكان فيها لهم. ( قالوا إنكم نازحون لا مكان لكم عندنا)...سيكبر وهو يتذكر ألم هذه اللحظة التي وصم فيها بأنه نازح، وعندها لن تنفع كل زهور في العالم أن تنسيه جرح لحظة تحوله الى نازح في خيمة بدرجة حرارة 52 مئوية!.
ومثل الشارع الممتد بلا نهاية، سيمتد طمع بعض السياسيين في تأليب هؤلاء ولا يرون فيهم سوى قطيع يصلُح أن يساق الى حيث تشحن الأصوات الإنتخابية مرة كل أربعة اعوام.
مثلهم مثل الإرهاب المتربّص بهم والذي لن يجد عناء كبيراً في إقناعهم بأنهم كانوا ضحية التفرقة والتمييز والطائفية وبالتالي سينبت من بينهم الكثيرون ممن لم يعرفوا سوى الإرهاب ملاذاً لهم وسيمسخ ما تبقى من آدميتهم بعد أن أزهقها حظ الوطن العاثر.
عيد النازحين بحاجة الى إشعار بالحب والإحتواء والمشاركة بالمُصاب أكثر من أي ظرف آخر، بحاجة الى أن نمنح النازحين وأطفالهم شيئاً من فرحة العيد بكلمات نقول فيها : نحن هنا معكم ..نشد أزركم ..وستعودون الى دياركم ...وسنزوركم فيها ونقاسمكم الطعام مثلما اعتدنا.
صورة يعطش لها من ترك بيته ..أشد من عطشه للماء والغذاء.