المنبرالحر

هذه هي أمريكا (1) سياستها الخارجية لا تتماهى وخصال شعبها / د. علي الخالدي

منذ تعرفي على مسيرة مناهضة إستغلال اﻹنسان ﻷخية اﻹنسان ، والعداء للدول اﻷستعمارية والرأسمالية ، وبالذات ﻷمريكا ، ينمو ويتراكم بشكل متواصل مع مسيرتي السياسية ، مما أفقدني القدرة على التمييز بين نهج نظام الدولة اﻹستعماري الجشع ، وبين خصال شعبها ،الذي يقف بالضد من السياسة العدوانية التي ترسمها الشركات اﻹحتكارية والرأسماليين ، في دعم أنظمة رحعية ودكتاتورية تتساهل في نهب خيرات شعوبها ، لتبقى على دفة الحكم ، ولتراكم ملكيتها لتستثمرها في الدول الراسمالية ، و تسد طريق تطور بلدانها بإلهائها بخصوصيات فرعية و ثانوية . كل ذلك ولد إنطباع العداء الفطري ﻷمريكا حكومتا وشعببا حتى قيل عن العراقيين إنهم راضعون حليب معادي ﻷمريكا وبريطانيا ، ففي مرحلة الشباب ،عشت مناهضتهما لحركات التحرر الوطني ،وحروبهما العبثية في آسيا وأمريكا الأتينية ، وكان ذلك وراء تكون صورة في ذهني ، بأن اﻷمريكان بصورة خاصة ، حكومة وشعبا أناس , متعجرفين , عدوانيين لايريدوا الخير ﻷحد ، سوى ﻷنفسهم ، خشني المعاملة , يتحدثون بتعالي وغطرسة وتكبر ، يطغى على حديثهم التفاخر بانجازات وراءها أجانب من مختلف بقاع العالم
كنت أخشى قد وُضْعتُ في القائمة السوداء ، بعد مشاركتي كمندوب ﻷتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي في وفد أممي للتضامن مع كوبا أوائل السبعينات ، ومن جراء كثرة ما كتبته من مواضيع و ممارسات معادية لشعبها وحكومتهم ، سيما وإن الوساس الخناس بدأء يسوس في صدري عند وقوفي في طابور فحص الجوازات ،(عند ولادة أول حفيد من أبنتي الباحثة في جامعة هارفارد) بإحتمالية منعي من دخولها ، ﻷني لا زلت أناصبها العداء وأتهجم عليها ، مطالبا برحيلها بعد أحتلالها وطني ، ومحملا إياها وزر ما حصل لشعبي من مآسي وويلات منذ إجهاضها ثورة الفقراء تموز المجيدة ، بقطار أعدته لركوب فلول البعث الفاشي وقوى رجعية عربية ويمينية دينية ، ﻷيقاف عجلة سيرها وهي لا زالت تحبو على سكة بناء عراق جديد متحضر ، وزاد ذلك بله ، عندما قال البعض أنها جاءت لتحريرنا في ربيع عام 2003 ،وتنشر الديمقراطية التي لم أتعرف عليها على أرض الواقع لوقتنا هذا
فلت حتى في زيارتي الثانية ورأيت حفيدي الثاني ، فتبددت خشيتي كليتا بعد ترحيب ضابطة فحص الجوازات بنا سائلة عن إختصاصي ، متمنية لنا إقامة طيبة في أجواء اﻷحتفال بعيدهم الوطني في الرابع من تموز الذي سيجري الحديث عنه لاحقا ، مكررة كلمة وللكم ومشيرة الى الحاجز ، حتى أن حقائبنا لم تفتش وهي تحمل ماكولات كنا قد أعلنا عنها ، مع علمنا بمحضورية دخول أي نوع من المأكولات ﻷمريكا ، ومع هذا حقائبنا لم تفتش .
منذ الوهلة أﻷولى تبين لي من خلال العاملين في مطار بوسطن أن أﻷعراق وأﻷديان والمذاهب التي يتشكل منها الشعب أﻷمريكي قد إختفت وراء سياسة إشراك كافة فئات المجتمع بالمهام دون تمييز في اللون والدين والعرق ، نتيجة إعتماد الكفاءة في كل المستويات ، و المساواة في الحقوق والواجبات لجميع مكونات المجتمع اﻷمريكي . يعجب المرء وهو يشاهد اﻷبيض واﻷسود واﻷصفر واﻷحمر يسرع نحو عمله ، تحت راية واحدة مقدسة عند الجميع ، ومكروهة عند الكثير من الشعوب (وهم يدركون ذلك ) وقد صهرت هذه اﻷجناس المتنافرة اﻷلوان ، في تقاليدها وحتى في ملبسها بشكل متكافيء . يتسايقون مع الزمن بجدية , لتحقيق المزيد من الرفاهية , فالتمييز العنصري لم يعد مرئي كما كنا نقراء عنه في الكتب . و كما كنا ، نحن العراقيون لا نعرف مصطلح الطائفية , والعرقية والمذهبية , فكذلك أﻷمريكان , إذا لم ار ما يدل بمعرفتهم بمثل هكذا مصطلحات , حتى سياسييهم يشمئزون من هكذا تعابير في أحاديثهم وفي صولاتهم أﻷنتخابية , فهم يتوجهون ببرامج إنتخابية لكل مكونات الشعب ،(بينما يثيروا النعرات الطائفية والعرقية في دول العالم كما دل أثناء أحتلالهم لبلدنا ) . . أمور كثيرة تركت أنطباعات مسخت ما كنت أحمله عن هذا الشعب التواق لمد جسور تواصل التعاون في أجواء من التعايش السلمي بين الشعوب ، بينما قادته يشوهوا سمعته تحقيقا ﻷجندات لوبيات داخلية وخارجية
عشنا أحداث إيجابية لم نر مثيلا لها في دول عديدة زرناها أو عملنا فيها بما في ذلك دول و شعوب نعتبرها شقيقة لنا ، فخلال مكوثنا في بوسطن ونيويورك , ناهيكم عن كمبرج وجامعة هارفارد ، لمسنا أن هذا الشعب المتعدد أﻷنتماءات العرقية والمذهبية ، والمنحدر من إصول أجنبية لا يفرقهم إلا اللون أو اللباس الذي يرتدوه , فهم يتحلون بصفات المودة والترحيب , يبادرون الى تقديم المساعدة عندما يشعرون بحاجتك إليها , و إذا طلبتها لا ينفك عنك ألا بعد أن يتأكد من فهمك ﻹجابته . وفي حالات متكررة , تتقدم فتاة أوفتى يعرض مساعدته في حمل حقائب كبار السن ،عند صعودهم أو نزولهم الدرج في المترو ، لا بل حتى في الشارع عندما يراك مثقل بما تبضعته , هذا بدون مبالغة أو رتوش . ومما يثير اﻷنتباه , كثرة تحركهم فالشوارع فهي لا تخلو من ممارسة رياضة الركض أو السير , إنهم سريعون في كل شيء حتى في أﻷكل , الذي تغلب عليه أﻷكلات السريعة والجاهزة ، الصينية والآسيوية التي تتناسب طرديا مع الوقت ، وعكسيا مع الجيب ، وأعتقد لا تستعمل مطابخ بيوتهم إلا نادرا ، وفي المناسبات . اﻷمريكيون ديمقراطيون بطبيعتهم في بلادهم ، حتى مع أجسادهم , يخصصوا لها أوقاتا للراحة التامة ، لا يضيرهم إلا ما يحد من حرية الفرد وحقوق أﻷنسان , ومع هذا لم أر اي شخص يحتضن جريدة أو يتحدث بالسياسة وإنما يتأبط كتاب حتى أثناء أﻷكل _ وللحديث بقية .