المنبرالحر

جريمة خان بني سعد .. والحلول الغائبة / احمد عواد الخزاعي

نهر الدم العراقي لم ينقطع ، وعويل الثكالى والأرامل يكاد يكون نشيدنا الوطني المفقود بين عقدنا الطائفية والقومية ، اثنا عشر عاما من الموت المجاني ولا حل يلوح في الأفق ، وليس هنالك بصيص من النور في نهاية نفق الأزمة العراقية ، بعد كل مجزرة يخرج البعض من الساسة العراقيين رأسه من دوامة ترفه اليومي ليطل علينا باستنكار خجول لا يسمن ولا يغني من جوع ، لا يتجاوز فيه حماسة استنكارات بان كي مون .. ما زلنا للان نبحث عن رفات أبنائنا المغدورين في قاعدة سبايكر ودموع أهليهم بعد لم تجف ، أبنائنا الذين قتلوا بدم بارد وبأيدي عراقية صرفة ، لتحدث مجزرة أخرى لا تقل بشاعة ودموية عن سابقاتها والوجهة هذه المرة سوق شعبية في ناحية خان بني سعد، هذه المدينة المنكوبة التي اصطبغت بدماء مئات الأبرياء من نساء وأطفال ، بعمل انتحاري جبان نفذه مسخ فلسطيني الجنسية ، وبغض النظر عن هوية من نفذ هذا العمل الإجرامي .. لكن السؤال هنا ، من الذي آواه ..؟.. ومن الذي خطط وفخخ ودبر ..؟.. ومن الذي ادخله إلى هذا المكان المكتظ بالناس في مدينة تعتبر في حالة تماس مع حواضن الإرهاب ..؟.
بعد كل هذه الدماء التي سالت على مدى السنين القليلة الماضية ، وهذا الدمار الذي حل في بلدنا من جراء الإرهاب ، وحالة النكوص التي نعيشها وعلى جميع الاصعدة ، لابد لنا من مواجهة الحقيقة بغض النظر عن مرارتها ووقعها علينا ، إن مواجهة المشكلة وتشخيصها هو نصف الحل ، فالمرحلة العصيبة التي نمر بها كمجتمع أنهكته الأزمات يحتم علينا أن ندع التسويف والمجاملات جانبا ، وعلينا أن نعترف ان هنالك شرخا مجتمعيا كبيرا قائما في العراق تقف ورائه دوافع طائفية وقومية وان القاتل والمقتول كلاهما عراقيان .. لذا علينا أن نتجه جميعا بكل انتماءاتنا ومستوياتنا ومسؤولياتنا للبحث عن حلول ناجعة كي نحاول ان ننقذ ما يمكن إنقاذه ، وان نوقف نزيف الدم هذا .. الكثير من دول العالم قد مرت بصراعات أثنية وعرقية أزهقت فيها الآلاف من الأرواح البريئة .. لكن بتضافر الجهود الخيرة فيها ، وتشخيص حكوماتها للأسباب الحقيقية المشكلة ومواجهتها استطاعت أن تتجاوز المحنة وتعود بهذه المجتمعات إلى التعايش السلمي من جديد .. وهناك تجارب كثيرة ماثلة أمامنا كالذي حدث في جنوب أفريقيا بعد زوال نظام بريتوريا العنصري أو ما حدث في روندا بين قبائل الهوتو والتوتسي .. إن أهم الخطوات الواجب اتخاذها لتحجيم هذا الصراع والقضاء على الإرهاب لا تكمن فقط في العمليات العسكرية والإجراءات الأمنية فهي جزء من الحل في مجتمع غزته الأفكار المتطرفة العابرة للحدود ، ويشعر البعض فيه بأنه مهمش وان حكم العراق قد سلب منه ، الذي كان يعتبره إرثا تاريخيا واستحقاقا سياسيا ، له امتداده القومي والطائفي في المنطقة ، وهذه الأسباب تتطلب اتخاذ خطوات حقيقية وملموسة على ارض الواقع لتحجيم هذه الهوة وتخفيف هذه الهواجس عند هؤلاء ومنها .. تحييد المتعاطفين مع الإرهاب والمغرر بهم والمخدوعين بشعارات الجهاد والمعبأين ضد الآخر وضمهم إلى صف الدولة وعزل الإرهاب عن حواضنه ، كما حدث في التجربة الناجحة التي سميت بالصحوات والتي تم إجهاضها حتى تحول أبنائها فريسة سهلة للإرهاب بعد ان تخلت الدولة عنهم لأسباب غامضة ، الضرب على يد المجرمين ممن تلطخت أيديهم بالدم العراقي وتنفيذ أحكام القضاء بحقهم، تسمية الأشياء بمسمياتها وترك المجاملات والمساومات على الدم العراقي، محاربة الفساد المستشري في جسد الدولة العراقية لأنه احد الروافد المهمة لهذا الإرهاب واحد الركائز الرئيسية لبقائه وديمومته، التعامل مع الشخصيات المؤثرة فعلا في المناطق الساخنة والمدن المغتصبة من قبل الإرهاب والتي تمتلك حضورا مؤثرا وقويا في هذه المناطق وضمها للصف الوطني ، توحيد الخطاب السياسي للطبقة الحاكمة وترك الصراعات الحزبية والفئوية التي غالبا ما تلبس لباسا طائفيا او قوميا لخداع البسطاء من الناس .. قد تكون هذه الحلول ترقيعية لواقع يعتقد الكثيرين منا انه وصل الى حالة من السوء لدرجة لا يمكن إصلاحه .. لكن الأمر يتعلق بمستقبل العراق وبدماء أبنائه وعلى الجميع أن يحاول ويتحمل المسؤولية .