المنبرالحر

فلسطين: القضية الفلسطينية في التوازن الإقليمي..!/ باقر الفضلي

بقدر ما يحاول المرء، أن يكون أكثر حذراً عند الخوض في القضايا المتعلقة بالشأن الداخلي لقضايا الشعوب العربية، بقدر ما يجد نفسه، أمام القضية الفلسطينية، بكونها البوصلة الحقيقية للشأن العربي خصوصاً، وشأن منطقة الشرق الأوسط على وجه العموم؛ أمام مباديء لا يمكن تجاوزها، وبالتالي فإن الموقف منها، بإيجابياته أو سلبياته، إنما يعكس حقيقة أي موقف سياسي معين، على صعيد الدول أو الأشخاص، وبالذات تلك الجهات التي ترتبط بهذا الشكل أو ذاك، بأية علاقة أو صلة، بالوجود العربي في المنطقة، ناهيك عن العلاقة المباشرة بالقضية نفسها، كأحد المكونات الفلسطينية..!
ومن هذه المقدمة، وفي ظل الظروف الحالية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، والمنطقة العربية بالذات، فإن بين الأحداث التي تشتبك ما بينها، وتتقاطع على السطح السياسي العربي؛ تتصدر الزيارة المفاجأة للسيد خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لمنظمة حماس الفلسطينية، الى المملكة العربية السعودية تلبية لدعوة من المملكة، قائمة الأحداث المذكورة، وبالذات الحدث الفارق، والأكثر أهمية على صعيد المنطقة، وهو إعلان الإتفاق النووي، بين السداسية الدولية وإيران، لتأتي فيه تلك الزيارة وفي هذا الوقت بالذات، بمثابة حدث ذي علامة فارقة بين تلك الأحداث، خاصة أن يأتي تزامنها، مع ما تعرض له قطاع غزة، من تفجير خمس سيارات تعود لشخصيات من حماس وكتائب القسام في وقت متزامن، مما يستدرج الكثير من التساؤلات التي تحتاج الى الأجوبة والتوضيح لما جرى أو يجري من تغييرات على الصعيد الفلسطيني، والعالم العربي، وذلك في ظل الظروف الراهنة، وعلاقة كل ذلك بما تتعرض له دول المنطقة من تغيرات إستراتيجية على صعيد العلاقات الإقليمية، وموقف منظمة حماس من كل ذلك..!!؟(*)
إذ ليس بخاف على أحد، موقف دول المنطقة، وبالذات منها؛ السعودية وبعض دول الخليج ، وإسرائيل، من الإتفاق النووي، وكيف واجهته بالإنتقاد والرفض، وإعتبرته من جانبها، بأنه جاء ليصب في مصلحة إيران، قبل أن يصب في مصلحة دول المنطقة؛ فأين من كل هذا مصلحة منظمة حماس، والقضية الفلسطينية بالذات، خاصة حيث أن زيارة السيد خالد مشعل الى السعودية، تأتي في هذا الوقت الملتبس، والمعروف أن منظمة حماس نفسها، كانت تمتلك، أفضل العلاقات مع إيران حتى فترة قريبة/2011..!؟ (**)
فهل يمكن إرجاع أسباب تلك الزيارة وإعتبارها، بأنها محاولة تدخل في إطار الموقف السعودي الناقد للإتفاق النووي والتوازنات الجديدة في المنطقة، أم أن هناك في توجيه الدعوة الى المنظمة لزيارة المملكة، ما يعبر عن تبدل إستراتيجي في سياسة المملكة الخارجية على المستوى الإقليمي، في محاولة منها، لإحتواء المنظمة، بما يصب في محاولات عزل التأثير الإيراني على سياسات دول المنطقة وحركاتها السياسية، مثل سوريا والعراق، وبالتالي، إضعاف محور المقاومة المتمثل بفصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان، خاصة بعد أن شهدت العلاقات بين منظمة حماس وإيران، نوعاً من الجمود، منذ عام/2011، إرتباطاً بالمتغيرات التي طرأت على الساحة السورية، الأمر الذي يدفع بالإتجاه الذي يصب في دعم الحرب الكونية الإرهابية، الموجهة ضد سوريا ولبنان والعراق ومصر وتونس، والجزائر، الى مديات أكبر، وإلا فما تعنيه سياسة منظمة حماس الجديدة، في ظل الظروف التي تحيط بالمنطقة، وما هو المرسوم من قبلها بالنسبة للقضية الفلسطينية، وما هو موقعها في العلاقة مع الدول العربية، في وقت تخضع فيه المنطقة الى إصطفافات وتحالفات جديدة، منها على سبيل المثال، التحالف العربي بقيادة السعودية، الموجه ضد جمهورية اليمن، والتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة أمريكا..!؟
وبالنتيجة، فإن موقف منظمة حماس الحالي من زيارة السيد خالد مشعل، سواء في المقاصد أو الأهداف، وفي هذا الوقت الملتبس في المنطقة، يظل في حاجة الى التوضيح، خاصة وإن هناك الكثير مما قيل ويقال، بشأن مستقبل قطاع غزة، وهو تحت إدارة منظمة حماس منذ عام/2007، وذلك بما يرتبط وطبيعة العلاقة المستقبلية مع إسرائيل، مما يقع ضمن المواقف الملتبسة، من جانب آخر..!؟(1)
ولكنه، وإن كان وفي جميع الأحوال، يظل أمر القرار الفلسطيني، وطبيعة العلاقة بين فصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، شأناً داخليا؛ فإن ما تقرره تلك المنظمات في علاقاتها مع الدول العربية أو الإقليمية، فهو وكما يبدو في الواقع، من الأمور السياسية الأكثر حساسية على صعيد المنطقة، لكونه ينعكس مباشرة على مستقبل القضية الفلسطينية نفسها، في ظل توازنات الصراع الإقليمية والدولية الجديدة..!
وفي جميع الحالات، فإن ما يمكن تصوره بشأن تلك العلاقة في تقديرنا، والمقصود بها علاقة المنظمات الفلسطينية بالدول العربية والإقليمية، فإنه ينبغي أن يُبنى على ما تمثله القضية الفلسطينية من أولوية في إشكالية الصراع العربي _ الإسرائيلي من جهة، ومن أهمية إستثنائية على الصعيدين الإقليمي والدولي، من جهة أخرى، بإعتبار أن الموقف منها، يظل يمثل المعيار الأكثر مصداقية في حساب التوازن الإقليمي، أو الدولي..!(2)
ومن هذا المنطلق، فإن ما تضمره الإدارة الإسرائيلية ومفكروها من غلاة العسكريين، بشأن مستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية عموما، يبطن الكثير من الدلائل التي تظهر، كيف تبحث دولة إسرائيل، عن كل ما يساعد على دوام الإنقسام الفلسطيني الحالي، طالما ظل ذلك الإنقسام، يشكل عاملاً من عوامل طمأنة إسرائيل، ويصب في خدمة مصالحها، وبالتالي فهي تحاول أن تظهر، كامل إستعدادها لمقايضة تلك المصالح، بما يلبي مطالب الطرف الآخر في الحدود التي تراها مناسبة لذلك..!؟ الأمر الذي ينبغي أن يكون في مقدمة المدركات الجماعية للشعوب العربية..!؟(3)
السؤال الذي يطرح نفسه، في ظل كل المتغيرات التي حصلت بعد الإتفاق النووي، وبعد زيارة السيد خالد مشعل الى الرياض؛ هو أين سيكن موقع القضية الفلسطينية في دوامة تلك المتغيرات، من التوازن الإقليمي في المنطقة، خاصة وبعد أن رفض السيد محمود عباس رئيس السلطة التنفيذية الفلسطينية، تفويض السعودية في ملف المصالحة..!!؟ (4)