المنبرالحر

«هيت» التي في خاطري / ابراهيم الخياط

الهِيتُ في اللغة هي الهُوَة القَعيرة من الأَرض، وفي المدائن فان «هيت» قصبة تقع غرب بغداد بـ 170 كيلومترا، وهي ـ الآن ـ من أعمال الانبار وقديما كانت من مدن المناذرة، ومنذ فجر السلالات اكتشف السومريون فيها القار، واستعملوه في بناء الزقورات، وأخذته مكة ـ أيضا ـ لبناء هبلها ولاتها وعزاها، وتسكنها عشائر عريقة، ولكن أبناءها لا يحلو لهم إلا الانتساب إليها.
وكما تشتهر المدينة بقلعتها ونواعيرها وفواكهها فإنها تتباهى ببنيها المرموقين، فمدني صالح أيضا يعد قلعة علم وناعور فلسفة وفاكهة موقف، ومعه يسمو العلم صفاء الحافظ، ابن هيت الذي ولد فيها عام 1923، ثم قضى شطرا من حياته في الحلة ليكمل دراسته بكلية الحقوق جامعة بغداد حيث تخرج فيها عام 1946، ولتفوقه حصل على بعثة حكومية لفرنسا فدرس في جامعة السوربون وحصل على شهادتي ماجستير، الأولى في الاقتصاد والثانية في القانون، ولم تتوقف فروسيته فقد نال شهادة الدكتوراه بالقانون الدولي وبوقت قياسي وبترتيب الأول على دفعته من الفرنس?ين والأجانب، ولكفاءته عرضت عليه إحدى المؤسسات الحكومية الفرنسية العمل بباريس، وبراتب مغر جداً، ولكنه رفض وأصر على العودة الى عراقه. عاد عام 1953 وعين أستاذا لمادة القانون الدولي بكلية الحقوق ذاتها ببغداد، وبتوجيه من الحزب الشيوعي العراقي أسس مع د.صلاح خالص مجلة «الثقافة الجديدة»، لكنه أعتقل ثم أسقطت عنه الجنسية العراقية وعاش متنقلا (بطرق غير شرعية) بين سوريا ولبنان. بعد ثورة تموز عام 1958عاد إلى العراق وأعيدت اليه الجنسية العراقية وعاد للتدريس في كلية الحقوق ومحاضرا في كلية التجارة لحين انقلاب ٨ شباط 1963? حيث أصبح مطارداً من قبل الحرس القومي واختفى لخمس سنوات عن أنظار أهله وذويه والعالم حتى عام 1968 إذ أعيد استاذا في كلية الحقوق حتى عام 1971، لينقل الى وزارة العدل مدونا قانونيا ومستشارا في مجلس شورى الدولة ومسؤولا في دائرة الإصلاح القانوني.
أرسل في بعثة إلى ألمانيا الديمقراطية وحصل على شهادة دكتوراه هابيل من جامعة لايبزك وهي أعلى شهادة دكتوراه في العالم ليصبح لقبه بروفيسور، وعاد الى العراق عام 1974 حتى سنة 1979 إذ أحيل الى التقاعد وليعتقل في الأمن العامة لمدة 35 يوماً لكن أطلق سراحه بتدخل من جاندرا رئيس مجلس السلم العالمي. عاد الى عمله الحزبي، وبتاريخ ٤ شباط 1980 اختطف من الشارع وهو يقوم بتوصيل زوجته الى مقر عملها في شارع الرشيد، وللآن لا يعرف له قبر، ولكنه ترك تاريخا ناصعا وترك عمار ابنه البكر وريم وثلاثة توائم نوار وعلي ورند.
كان عضوا في مجلس السلم العالمي وفي مجلس السلم العراقي وفي نقابات الحقوقيين والمحامين والاقتصاديين والمعلمين والصحفيين، وعمل في فترة اختفائه الستينية الطويلة في إذاعة صوت الشعب العراقي من صوفيا.
كان دمث الأخلاق، بسيطا، محبوبا حتى من خصومه السياسيين، دبلوماسيا ومفاوضا جيدا ومتألقا في المحافل الدولية لأنه كان يجيد ثلاث لغات إجادة تامة هي الفرنسية والانجليزية والألمانية فضلا عن لغته الأم وهي العربية.
في الأمن العامة، كسر الفاشيون يده، وما علموا انها اليد التي كتبت قانون إصلاح النظام القانوني وقانون الرعاية الاجتماعية، بل كانوا يدرون فكسروا يد القانون والفقراء.