المنبرالحر

كي لا يكون الثمن باهضا / محمد عبد الرحمن

شهدت عاصمتنا العزيزة خلال الفترة الاخيرة موجة تفجيرات ظالمة، ارهابية اودت بحياة العشرات من المواطنين الابرياء ، واصابت العشرات غيرهم ، ودمرت العديد من الممتلكات العامة والخاصة .
هذا الاستهداف يريد ان يوجه رسائل عدة ، ويحقق غايات متنوعة. وبدون شك يأتي في المقدمة ارباك الوضع ، واظهار كما لو ان بغداد تعيش حالة من الفوضى وخارجة عن السيطرة، وان القوات الامنية عاجزة عن القيام بواجبها ، اضافة الى سعي تلك التفجيرات الى تأليب الناس على بعضهم واثارة النوازع الطائفية .
انها اهداف الارهاب ومنظماته التي تلجأ الى المزيد من العنف الدامي ، كلما عانت من انكسارات في جبهات المواجهة مع قواتنا المسلحة بمختلف صنوفها ، والتي احرزت مؤخرا تقدما وان بدا بطيئا ولكن لا يمكن الاستهانة به في ظروف المعركة الحالية المحتدمة مع عدو شرس مدعوم ، ومدجج بالمال والسلاح . وهي في المحصلة تريد تشتيت القوى وبعثرة الجهد الوطني ، وإلهاء المواطنين ومؤسسات الدولة بقضايا بعيدة عن الوصول بالحرب ضد داعش الى نهايتها المنشودة.
هذا ديدن الارهاب ومنظماته ، ولا غرابة في ذلك ، فهو الاجرام بعينه. ولكن يبقى السؤال الكبير: ماذا عملت الدولة بمختلف مؤسساتها ، والكتل المتنفذة ، والمواطنون ايضا لسد الثغرات والنواقص التي ينفذ منها العدو ويستغلها على نحو بشع ، ومن اجل تفويت الفرصة على هؤلاء القتلة المتعطشين للدماء ؟!
لا شك ان المسؤولية الاكبر والاساسية تقع على عاتق السياسيين المسؤولين والمتنفذين ودورهم في ايجاد الاجواء المناسبة لتحقيق خطوات ملموسة تقرب ساعة الخلاص من داعش وامثاله وعودة الحياة الطبيعية الى بلدنا وتحقيق الامن والاستقرار .
ولكن مجريات الامور على الارض تشير الى اننا ما زلنا بعيدين عن هذا ، بل ما انفك الكثير من هؤلاء المتنفذين يساهم بادراك منه او بدونه ، في بعثرة القوى والهائها عبر المزيد من المواقف الطائفية الفاقعة وتوتير الاجواء واطلاق التصريحات المنفرة ، والتي لا يستهدفون منها تحسين حياة «مكون» او طائفة «، رغم ادعائهم بتمثيلها ، قدر ما يسعون لاعادة اقتسام المغانم والهيمنة على مراكز القرار. وهذا النفر يريد ان يحقق مكاسب سياسية انانية ضيقة على حساب دم الناس ومن مختلف الطوائف والقوميات . وهذا ما يحصل في بغداد وديالى والبصرة ?غيرها .
ان الخروقات الاخيرة ، وقرقعة السلاح ، لا سيما في بغداد ، تدفع الى الالحاح في الدعوة الى قيام الاجهزة الامنية بواجبها على نحو مسؤول ، والى ضبط السلاح وسيطرة الدولة عليه. ولا يكفي هنا اعلان الموقف ، رغم اهمية ذلك، بل لا بد من الاقدام على اجراءات ملموسة لطمأنة الناس ، وبث روح الامان فيهم، خصوصا بعد تمادي جماعات مسلحة باندفاعات مليشاوية لفرض ما تريد. فالواجب يستدعي فرض هيبة الدولة عبر التاكيد بان المساهمة في المعركة ضد داعش لا توفر امتيازات اضافية ، ولا استحقاقات سياسية ، قدر ما هي واجب وطني طوعي .
ان من غير الممكن القبول بان يكون ثمن الانتصار على داعش ضياع ما ناضل من اجله الشعب العراقي لمدة تقرب من خمسة عقود ، وهو حياة اخرى مختلفة تماما ، بعيدة عن الاكراه والعسف وتنميط حياة الناس وفرض اجندات وانماط مستحدثة من الدكتاتورية، ومحاولة ارجاعهم الى القرون الوسطى تحت عناوين شتى .