المنبرالحر

طباخ السم آكله / مرتضى عبد الحميد

هذا المثل التركي، ومعه أمثال أخرى مثل «بضاعته الداعشية ردت إليه» أو «تركيا كمن يربى الذئب» تطلقها هذه الأيام بتهكم، وسائل الأعلام التركية المعارضة على المأزق الذي وضع «اردوغان» نفسه فيه، نتيجة دعمه وإسناده لـ «داعش».
وجاءت هذه التعليقات على خلفية التفجير الداعشي الأخير في مدينة «سروج» التركية المحاذية للحدود السورية. كما جاءت عقب تجنيد تركيا لابناء الايغور، وهم من الأقلية المسلمة في الصين، وضمهم إلى «داعش» عبر تزويدهم بوثائق تركية رسمية من قبل دبلوماسيين أتراك في جنوب شرق أسيا، ثم ينقل هؤلاء المرتزقة إلى بلاد الأناضول، ومنها إلى سوريا والعراق. وقد كشف مسؤول صيني كبير قبل أيام أن المجندين الايغوريين يباعون بأسعار تتراوح بين 2000 و4000 دولار للرأس الواحد للقتال في صفوف «داعش».
يضاف إلى هذه الاتهامات الصريحة ما كشفته تقارير أجنبية عن وجود هيئة طبية سرية تعالج جرحى»داعش» وتنقلهم إلى المستشفيات التركية، ورغم كل هذه الأدلة والفضائح مازالت السلطات التركية، وعلى لسان كبار مسؤوليها، تنكر كونها شريكاً فاعلاً في خلق «داعش» ودعمه بكل مقومات البقاء والتمدد. ويلجأ هؤلاء المسؤولون إلى ممارسة التقية في تبرير دعمهم ورعايتهم لـ»داعش» أمام المسؤولين الغربيين، لكنهم ينكرون الأمر جملة وتفصيلاً وبصلافة المتمرس في الكذب والتآمر أمام المسؤولين العراقيين الذين زاروا تركيا خلال الفترة الماضية.
ربما لا يعنينا الموقف التركي، بقدر ما يعنينا موقفنا كعراقيين من هذه المسألة الخطيرة، فالسلطان «اردوغان» وحاشيته، لهم أجنداتهم السياسية، المتمثلة في طموحه بان يكون شرطياً للمنطقة، وبالتالي إعادة الإمبراطورية العثمانية، حتى لو كان ذلك على حساب الشعوب المجاورة، بل وعلى حساب الشعب التركي ذاته، بالإضافة إلى عدم قدرته على التخلص من قصر النظر السياسي الذي لازمه منذ فترة طويلة، وإصراره على تجاهل نصائح الجميع بأن سيف الإرهاب سيرتد إلى نحره كما حصل مؤخراً.
أن الموقف الرسمي العراقي مازال دون المستوى المطلوب بكثير، رغم وجود أوراق رابحة بأيدينا، نستطيع من خلالها إجبار هؤلاء القادة السيئين، على احترام إرادة العراقيين، وعدم التدخل في شؤونهم، والكف عن تصدير الموت لهم. وقد يستغرب المرء من عدم استخدام موضوع التجارة البينية بين البلدين التي تقترب من العشرين مليار دولار سنوياً في الضغط عليهم، فضلاً عن الوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية الأخرى.
أن الحكومة العراقية، وخصوصاً المسؤولون الذين يحجون إلى أنقرة كل شهر، مطالبون بأتخاذ موقف وطني وموضوعي من تسلكات وتدخلات الجارة الشمالية، بدلا من دعوة البعض إلى وضع دول أخرى تحت الوصاية الدولية! مدللاً هذا البعض على براعته في خلق الأعداء وتكثيرهم، وخبط المياه، كلما حانت الفرصة لتصفيتها ولو نسبياً.
ما نحتاجه في الوقت الحاضر، قادة لا يضعون مصالحهم الذاتية الأنانية وهوس السلطة، على رأس سلم أولوياتهم، وإنما يلتفتون ولو نصف التفاته إلى شعبهم، والكارثة التي يعيشها بسببهم قبل غيرهم.