المنبرالحر

حتى لا نظل نبكي على الأطلال / عاصي دالي

احتل العثمانيون العراق في سنة ١٥٤٣م واستمر حكمهم حتى الاحتلال البريطاني عام ١٩١٧م وكانت الدولة العثمانية بطبيعة الحال تسعى الى بسط نفوذها على كل أرجاء العراق لأنه يملك ثروة مالية تمثلت بقطعان كبيرة من المواشي والجمال والخيول بالنسبة للقبائل البدوية المتنقلة بينما كانت القبائل الجنوبية المستقرة في الأرض الزراعية تنتج كميات كبيرة من الحبوب كالحنطة والشعير وغيرها من المنتجات الزراعية بسبب خصوبة أرضها ووفرة المياه وسهولة السقي. كل هذا أدى إلى فتح شهية الولاة العثمانيين فأخذوا يسعون جاهدين الى ملء جيوبهم من جهة ودفع الأموال إلى مركز الخلافة من جهة أخرى من خلال الضرائب الباهظة التي كانت تفرض حتى على بيت السكن للمواطن وقد زجت السلطة العثمانية الشعب العراقي في معارك دامية راح ضحيتها الكثير من أبنائه في حربها ضد القوات البريطانية التي احتلت البصرة في تشرين الثاني عام 1914 واتجهت لاحتلال بغداد الذي تأخر نتيجة الإعاقة الكبيرة التي واجهتها حركة قطعاتهم اثر تعرضها لمقاومة شعبية عنيفة وأعمال دفاعية فعالة بدءاٌ من معارك الشعيبة وتل اللحم والقرنة واستمرارا على طول المحور الذي تقدمت فيه والذي دام ثلاث سنوات قدم فيه شعبنا المجيد الآلاف من أبنائه بجميع?فصائله الذين سالت دماؤهم دفاعا عن تربته الغالية.
واستمرت نضالات شعبنا التي كانت تطالب بالاستقلال والسيادة الوطنية وقدم خلال هذه المسيرة الطويلة دماء زكية أخرى مهدت لثورته المجيدة في تموز 1958 التي لم يتسن لها الوقت ولا الظروف لانجاز كافة مشاريعها وان أبرز المشكلات التي أعاقت تقدمها هو التآمر الخارجي والداخلي وتمزق العلاقة بين الأطراف السياسية المختلفة مما أدى إلى الإطاحة بها في شباط الأسود الذي جعل من ارض العراق انهارا من الدماء.
وبعد ضياع الثورة لا بد من استلهام الدروس والعبر الثمينة منها وأهمها ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية شعاراً وممارسة عبر بوابة المصالحة الوطنية وبإجراءات وخطوات مدروسة وملموسة ليس بين النخب السياسية رغم أهميتها وحسب وإنما بين الكتل والاتجاهات المجتمعية ونبذ المحاصصة الطائفية- الاثنية أس بلاء الشعب العراقي وإشراك الجميع في صناعة القرار السياسي من دون تهميش أو إقصاء لأحد وضمان استقلاليته بعيداً عن الاستقواء بالأجنبي عربياً كان أم إقليميا أم دولياً والاعتماد على الجماهير الشعبية العراقية قبل فوات الأوان وحتى لا يبقى نبكي على الأطلال.