المنبرالحر

بعد أن كانت محلّ استهزاء! / قيس قاسم العجرش

واحدة من آثام القائمين على الفساد، أنهم حوّلوا رواسخ النظام الديمقراطي الى موضوعة إستهزاء تحت ذرائع شتى.
أكاد أجزم أن أي كاتبٍ يتعرّض لأهمية الشفافية في التعامل الحكومي مع الناس إنما سيلقى فيضاً من الإستهزاء. والمُستهزئون معذورون نسبياً لكثرة ما تعرّضت له هذه المفردة المهمّة من تشويه واستعمالٍ غلب عليه التفذلك واللغو ومحاولة طمس الحقائق.
يواجه العراق مشكلة طاقة مُزمنة منذ عشر سنوات وأكثر. لكن أي مشكلة خدمية لو استمرت على مدى عقدين من الزمن فهذا يعني ببساطة أن هناك إرادة مهيمنة مستفيدة من إستدامتها وان هناك طبقة نفعية تفرغ الحلول من جوهرها أولاً بأول.
إن أعظم محطات الطاقة الكهرومائية أو الحرارية في العالم من سعة 1250 ميغاواط صعوداً يمكن بناؤها خلال سنتين في متوسط الأحوال وعبر عقود»تسليم المفتاح»وهي أسوأ طرق التعاقد وأكثرها ضرراً لكن هذا لم يحدث حتى مع الوفورات المالية التي توفّرت لميزانيات العراق بين عامي(2009-2013).فكيف سيحدث في زمن العسرة وانخفاض أسعار النفط ؟.
ولو اتّبعت المصادر الحكومية طريقة» شفافة «في التعامل مع المشكلة وعرض معلوماتها أولاً بأول لما وصلت الأمور الى هذا الحد كما جرى في تظاهرات البصرة والتي سقط فيها للأسف أبرياء كلّ ذنبهم أنهم يطالبون بحقّهم.
الإستجابة من جانب الحكومة ووزارة الكهرباء لم تكن هي الأخرى شفافة بأي شكل من الأشكال، يتحدث الموقع الرسمي لوزارة الكهرباء عن «توجيه»من الوزير لتلبية احتياجات أهالي شمال البصرة وان الصيانة ستجري على خط (القرنة/ الهارثة/ الدير) خلال يومين وأنّ المعوقات التي اطلع عليها وكيل الوزارة لشؤون نقل الطاقة تمثلت بمعالجة نقص الوقود في محطات الإنتاج ورفع التجاوزات عن خطوط النقل و الهدر بسبب التقادم في الشبكة.
السؤآل الذي يُسمّم الحلق هنا لو بقي مكتوماً، هل انتظرتم يا سادة أن تصبح درجة الحرارة 54 مئوية كي تنفذوا الصيانة وتوفروا الوقود لمحطات الإنتاج؟. وهل كان ضرورياً أن يُقتل مواطن من بين المتظاهرين كي تسارعوا الى هذه المعالجات؟...وهل تذكرتم إصلاح الأعطاب والتجاوزات في تموز فقط؟.
لوكانت الوزارة قد تعاطت» بشفافية»، وسمحت للإعلام والصحافة وكل وسائل الإطلاع ان تسهم معها في الرقابة الشعبية لما أوقع المسؤولون وزيرهم في هذا المطبّ الذي يصعب تبريره.
«الشفافية» يمكن أن تنقذ الوزير والمسؤول وتعلّق المسؤولية والتقصير برقبة المقصّر الفعلي بدلأً من أن يتحمل الوزير كل أوزارها لوحده.