المنبرالحر

أكبر جبان على وجه الأرض / قيس قاسم العجرش

لنتروّى قليلاً قبل أن «نقبل»! برمي الإقتصاد الإشتراكي بكلّ التـُهم والإساءات التي نعيشها اليوم.
لحظة تفكُّرِ لن تضر.
لنبدأ مع ما درسه عالم الاجتماع الأميركي إدوارد بانفيلد حين كتب بحثاً بعنوان» الأسس الأخلاقية في المجتمعات المتأخرة».
وكلمة»متأخرة»في عنوان البحث قد نستبدل في ترجمة أخرى بكلمة» رجعية».
بانفيلد برهن على أنّ قدرة المجتمعات على تنظيم تعاونيات (المنظومات التي تأخذ بنظر الإعتبار مصلحة المجموع) إنما هي معيار لقدرة المجتمع على النمو و الإرتقاء بمعدل الرفاه الإجتماعي.
درس بانفيلد اسباب الفقر واستيطانه في مجتمع معيّن. واكتشف أن القرية الإيطالية التي تناولها موضوعاً في دراسته إنما تعيش في فقر مُدقع وبالكاد يداري فيها الأفراد قوت يومهم. ومع ذلك فمعظم أفرادها لا يعملون، بل إنهم لا يشتركون في أداء أي عمل جماعي وبأي مستوى. كما وجد أن أبناء القرية الذين هاجروا الى أميركا لا يساعدون أهلهم الذين تركوهم وان العائلات تتبادل الشك والريبة والنميمة والحسد بمعدلاتٍ غير طبيعية.
تساءل بانفيلد حول مدى أنانية أفراد هذه القرية فوجد أنّهم لا يعتمدون معياراً اخلاقياً موحداً في تربية ابنائهم. فهم لا يمنعونهم حين يسيئون ولا يهمهم إن كانت هذه الإساءة تطول جيرانهم. بينما يُولون أفراد عوائلهم رعاية خاصة وهو ما أنتج سلوكاً أسماه «الإنغلاق العائلي».
هذا السلوك يؤدي بأصحابه الى القطيعة مع أي شيء مختلف عنهم، سيفضّلون ابناء العائلة على الجيران ويفضلون الجيران الأقرب على الأبعد وهكذا. إذن سيكون التعاون مشروطاً ومُغرضاً ولا يتسع للجميع.
يحدث هذا في غياب معايير التعاون عن أي مجتمع.
هذا يعيدنا الى نظرية العالم جون ناش الذي أثبت بالرياضيات أن «الربح الأعظم» للفرد يتحقق إقتصادياً عندما ينال أكبر عدد من الآخرين أعظم نسبة من الارباح. وهذا يعني أن من مصلحة الفرد ان ينال الآخرون مثل ما يسعى هو شخصياً الى نيله. وهذه بديهة من بديهيات الإشتراكية لكنها تعتمد في تحقيقها على قوة ضامنة وهي الحكومة.
لنتذكر أن رأس المال هو أكبر جبان على وجه الارض، وإذا لم يكن غير الدولة من يحمي راس المال فإنه سيهرب لا محالة، ولا يمكن لنا أن نعوّل على قدرة الأموال على حماية نفسها.
ببساطة، علينا أن نبني دولة موثوقة وتضمن لنا الحقوق وليتنافس في باقي الأشياء المتنافسون. هكذا نتخلص من الفقر وهكذا نتخلص من الكسل ونعيد الأمن الذي سيجعل الأموال تستوطن في البلد لخير الجميع.