المنبرالحر

ست ملاحظات فقط / جاسم الحلفي

1- كي لا تحتار
التخطيط للتظاهرات واضح جدا وغير مخفي. ما عليك الا ان تتابع (الفيس بوك)، حتى تكتشف لغز التحشيد للتظاهر، وتتعرف على مطالب المتظاهرين، وتطلع على الاهازيج. وستعرف ايضا مكان التظاهرة وموعدها. فمن خصائص هذه الحركات الاحتجاجية ان تكون مكشوفة، واضحة، شفافة. وكل ناشط فيها هو المخطط القيادي والمشارك في آن، هو ما يطلق عليه المفكر الفرنسي المختص بالحركات الاجتماعية الن تورين «الفاعل الاجتماعي». وبهذا المعنى لا رأس للتظاهرة، فهي لا تتبع التنظيم العمودي المعروف لدى الاحزاب، انما هي عبارة عن شبكات من الاتصالات والتواصل تأخذ شكلها الأفقي. اما قيادتها فتتشكل بموجب وجهتها، ومحددات مطالبها، ورؤيتها. هناك بالتأكيد مجاميع تنسق لها، وهذه المجاميع ترتبط او لا ترتبط مع بعضها قبل التظاهرة، لكنها تلتزم بشكل عام بموعد التظاهرة ومكان انطلاقها. لا ناطق رسميا للمظاهرة، فكل من يشترك فيها ينطق بمطلبه ورأيه الذي يعتقده. فلا مصادرة لحق احد في التعبير، وفي التحدث عن حاجاته إمام اية وسيلة اعلام، شرط التزامه بالوجهة العامة للتظاهرة.
2- المطالب
العنوان الأكبر في هذه التظاهرات هو الخدمات، التي غدت مفقودة، خاصة تلك المتعلقة بالحياة والمعيشة والكرامة. هذه الخدمات التي تعد من الحاجات الأساسية للإنسان، ومنها الكهرباء بشكل أساسي. وهنا يبرز مطلب مكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين، كهدف مهم و كبير وواسع، يعبّر عنه بعدد من المطالب، ومن خلال شعارات واهازيج، لها فعل سحري على قلوب المتظاهرين، بالنظر الى ما عانوه من نقص الخدمات وترديها. فيما هم يسمعون بالميزانيات الكبيرة جدا، ولا يحصدون غير الوعود والكلمات الطنانة، لا يحصلون على شيء ولا يتبين لهم سوى ان المليارات تذهب الى حسابات نهّابي الشعب، سراق المال العام. فهذه التظاهرات غير معنية بتغيير النظام السياسي الى رئاسي او غير ذلك، وليست بابا لصراع المتنفذين، او طريقا لتصفية الحسابات في ما بينهم، ولا مجالا لمن يريد العودة الى الحكم بعد ان أتيحت له اكثر من فرصة لحكم العراق، ولم يقدم شيئا.
3- توقعات
لا يتوقع المتظاهرون حلولا سحرية. لا يتوقعون ان يحصلوا على الكهرباء فور عودتهم من ساحات التظاهر. يعلمون صعوبة ذلك. ولا يأملون في ردم الهوة بين المتخمين والجائعين، او تضييقها، بين يوم وليلة. ولا يعتقدون بامكان القضاء على الفساد عبر وعد حكومي، ولا يتوقعون رؤية الفاسدين الكبار واقفين في اقفاص الاتهام امام العدالة. كما لا يصدقون الوعود التي طالما أطلقها المتنفذون باصلاح الاوضاع. فقد عرفوا المماطلة والتسويف واللعب على الوقت. لذا فجل ما يريده المتظاهرون الآن هو إجراءات حقيقية، واقعية، على طريق الإصلاح والتغيير في اتجاه تحسين الخدمات،كخطوات واقعية نحو إصلاح النظام وتخليصه من المحاصصة والفساد.
4- أساليب
يحرص المتظاهرون على اتباع الطرق السلمية في التعبير عن مطالبهم. فنهج اللاعنف مهم وفعال، وهو يعكس الوجه المتحضر للمتظاهرين، ويجعل قاعدة التأييد لهم واسعة، ويشجع الغير على الانضمام اليهم. كما انه يريح القوات الامنية ويعفيها من اللجوء - من جانبها - الى استخدام العنف. ومن هذا الباب، وتأكيدا للحق الدستوري في التعبير عن الرأي، يترتب على الحكومة توفير المناخ المناسب للتظاهر، وحماية المتظاهرين. وذلك ما يضفي مصداقية على اعلانها انها تتفهم التظاهرات ومطالبها وتتعاطى معها. بعكس ذلك، يكشف اللجوء الى قمع التظاهرات والتضييق عليها واعتقال المتظاهرين، ان الحكومة متضايقة من التظاهر، وقد قطعت الصلة بمطالبها وعزلت نفسها عن اهدافها العادلة واسلوبها السلمي.
5- طابو ساحة التظاهر
ساحة التظاهر مفتوحة للجميع. لكل مواطن حق المشاركة في التظاهرة ورفع مطلبه. ولا وصاية على التظاهرات. فهي ليست حفلة حجزت فيها المقاعد سلفا، ولا هي ندوة او ورشة عمل تديرها منظمة مجتمع مدني، ولا هي بيت لا يدخله الضيف الا بعد طرق الباب والاستئذان. هي ساحة عراقية مفتوحة لكل عراقي، مستقلا كان او منتميا لاي تيار سياسي، مدني او ديني، ما دام يحضر تحت عنوان العراق، وليس بأي عنوان اضيق من المواطنة. وما دام يحمل مطالب الناس، ويبدي الاستعداد للتعبير عنها، والدفاع عنها. التظاهرة ليس عقارا نتملكه طابو.
6- عجيبة
لا اعرف ماذا يتصور بعض المتنفذين، من الوزراء ونوابهم، وقادة الكتل السياسية، والزعماء الآخرين، وهم يصدرون بيانات تؤيد مطالب المتظاهرين. اكثر من هذا هناك من يزايد على الناشطين في المطالبة بمحاسبة الفاسدين، وهو نفسه يترأس تيارا سياسيا له نوابه ووزراء، وقد شارك في كل الحكومات. الاجدر بهولاء الاعتذار عن اخطائهم وفضائح فساد وزرائهم، والبدء بتغيير الوجوه التي اصبح وجودها، نظرا الى حجم الفساد ومدى الاستهتار الذي عرفت به، استفزازا للمواطنين، ومصدرا للسخط العام.