المنبرالحر

حزمة واحدة لا تكفي / قاسم السنجري

قد يبدو إن إعلان حزمة الإصلاحات في الصباح الباكر ليوم امس، أمر مقصود يأتي في استثمار الوقت لبيان سرعة الاستجابة إلى دعوات المتظاهرين في بغداد والمحافظات، التي صدحت بصوت واحد مطالبة بالإصلاح وملاحقة المفسدين الذين تناهبوا المال العام وأثروا على حسابه، في حين تركوا ملايين من الشعب العراقي يعيشون تحت مستوى خط الفقر ويعانون الأمرّين من البطالة والتدهور الأمني في البلاد.
ولكن هل حزمة اصلاحية واحدة تكفي لإصلاح الخراب الذي خلفه الفساد الإداري والمالي؟ بالتأكيد أنها لا تكفي. بل حتى الحزمة الأولى التي اطلقها العبادي، لا تكفي دون اجراءات تنفيذية حقيقية، ثم أن الكثير من الناشطين والمتابعين لا يخفون قلقهم من أن تكون هذه القرارات هي مجرد ذر للرماد في العيون وانحناءة من جانب القوى المتنفذة لإعصار الشعب الغاضب من الفساد. لذا يتوجب على العبادي أن يشرع وبقوة في ملاحقة المفسدين واستعادة الأموال التي استحوذوا عليها، وعليه أيضاً أن ينظر باهتمام بالغ بأمر إعادة بناء الكابينة الحكومية وإبعاد الوزراء السياسيين وتكليف وزراء مستقلين من ذوي الخبرة والاختصاص والنزاهة والوطنية، وتجنب الاعتماد على مرشحي القوى السياسية المتنفذة الذين قبلوا بهذه الحزمة مرغمين لا راغبين. هذا اذا كان راغباً في نجاح مشروعه، أما اذا تراجع عن البرنامج الإصلاحي أو بعض فقراته فأنه سيعرض مستقبله السياسي والبلاد إلى مصير مجهول.
إن المخاوف من التفاف حيتان المتنفذين على البرنامج الإصلاحي مخاوف مشروعة، لأن هناك تجربة سابقة عشنا تفاصيلها اثناء تشكيل الحكومة الحالية، حيث كان هدف الناس العمل على تغيير الوجوه من خلال صناديق الانتخابات، غير أن ماحدث هو أن من اخرجه الشعب من باب الانتخابات اعادته القوى المتنفذة من باب التوزير أو التعيين بمنصب مستشار، في عملية تدوير للوجوه بثت الإحباط في نفوس الكثيرين من ابناء الشعب العراقي وشرائحه. لذا أن رئيس الوزراء مطالب بتشكيل كابينته الوزراية وفق اختياره ليستطيع انجاح برنامج الاصلاحي، لا أن يخضع لرغبات القيادات السياسية النافذة التي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة من قرارات المجلس من خلال الوزراء التابعين لهذه الكتلة أو تلك وفق ما تقتضيه مصالحها الشخصية لا مصلحة الدولة والشعب.
كما أن على الناشطين المدنيين أن يواصلوا احتجاجاتهم العادلة والمحقة نحو بناء منظومة حكومية تقوم على خدمة أبناء الشعب وبناء مؤسسات الدولة، لا أن تتخذ من مؤسسات الدولة ووزارتها مرتعاً للفساد والمقاولين الفاسدين المدعومين من القوى المتنفذة، فالاحتجاجات السلمية المشروعة هي مفتاح كل تغيير يصب في رافد تقدم البلد وازدهاره وتحريره من قوى الظلام والفساد.