المنبرالحر

هل التظاهرات الشعبية تعطي فرصة لداعش أم العكس ؟ / محمد النهر

بتطور تصاعدي ملحوظ خرجت مظاهرات الاحتجاج في بغداد والعديد من المحافظات والمدن ،مطالبة بالأساس بمعالجة الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه ، وإصلاح العملية السياسية ، وغيرها الكثير من الشعارات التي تعكس التنوع الواسع للمساهمين في هذه التظاهرات ، والتميز أساسا مشاركة الشباب الواسعة وكذلك مساهمة العديد من المثقفين والفنانين والمحامين وغيرهم من الذين يمثلون ما تبقى من الطبقة الوسطى العراقية التي سحقتها السياسات المقصودة للأحزاب الحاكمة ، لما عرف عن الطبقة الوسطى من إنها حاملة إرث الثقافة العراقية والتطلعات المدنية للدولة .
وبسبب من حجم هذه المظاهرات والتصميم على استمرارها لحين تحقيق مطالبها ، تركت ردود فعل متباينة على أعلى المستويات ، وكان أبرزها الطلب الحازم للمرجعية الدينية العليا من السيد العبادي بالضرب بيد من حديد على المفسدين السابقين والحاليين وإلغاء الامتيازات وتحقيق العدالة الاجتماعية ( هذا المصطلح غاب لفترة غير قصيرة عن لغة وتصريحات المسؤولين ) وأن يتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية ويعتمد على الكفاءات ، وفضح وإعلان من يقف ضد ذلك . وكان لهذا الموقف ارتياح وترحيب شعبي واسع وهو بمثابة دعم للمتظاهرين ومطالبهم . ولكن بالمقابل كانت هناك أصوات لمسؤولين لم تستطع بسبب حجم الاحتجاجات أن تهاجمها بشكل مباشر كما كانوا يفعلون سابقا . ولذلك سعوا للالتفاف عليها بحجة أن التظاهرات يمكن أن توفر اجواءا لداعش ، والهدف من ذلك إرهاب الناس بشكل غير مباشر وتخويفهم والتأليب على المتظاهرين ناسين إن ما مكن داعش من توسعها واحتلالها لأجزاء مهمة من العراق هو الفساد الإداري والسياسي خاصة في المؤسسة العسكرية ، وإن محاربة الفساد هو من المفاصل المهمة لمحاربة داعش والإرهاب بتلاوينه ، كما إن هذه الجماهير المتظاهرة ليست بعيدة عن محاربة الإرهاب وداعش . وهي التي دعمت الجهد العسكري والحشد الشعبي بكل الوسائل والسبل سواء بتقديم العون المادي والمعنوي ومساعدة النازحين والتوعية بين الناس ، والأهم من ذلك أن متطوعي الحشد الشعبي خرجوا من صفوف هذه الجماهير المتظاهرة وهم جزء من عوائلهم وأصدقائهم واستقبلت بيوتاتهم الشهداء والجرحى الذين سقطوا في ساحات القتال ، وهم يعرفون داعش والإرهاب جيدا وعاشوا أجرامهم من المفخخات والتدمير والتهجير وفقدان الاحبة ومصادر الرزق ، لذلك فداعش والإرهاب ومحاربتهما نصب أعينهم عندما يتظاهرون .
ولكن انعكاسات المظاهرات الجماهيرية لن تقف ضد هذا الحد ، فهناك الحرس القديم وهو متمرس في خنادقه والذي يعتبر أن هذا الوطن وما فيه هبة من الله لهم ولذلك إن أي مساس بطريقة إدارته وحكمه هي من المحرمات وخط أحمر ، والتصريحات والتهديدات كثيرة منها ما صدر من جهات متنفذة ، ففي نفس الوقت الذي كان ممثل المرجعية في كربلاء يلقي خطبته ويوجه كلامه وتوجيهات المرجعية إلى السيد العبادي كان خطيب الجمعة في النجف الأشرف السيد صدر الدين القبنجي ينتقد المظاهرات والمتظاهرين بشدة ويعتبرها مطالبة بالرجوع للحكم اللاديني ، وإن إنطلاق التظاهرات جاء في أوج المعركة مع داعش وعند بدء الهجوم في الفلوجة والرمادي ويتساءل ويتشكك من وراءها ومن يوظفها . وفي بغداد يتساءل جلال الدين الصغير أيضا من وراءها ويجيب بنفسه ( مجاميع منحرفة عقائديا وهم أساس الفتنة ومعهم بعض الجهلة وبعض السياسيين الفاسدين وبعض المثقفين ) .
إن هذه المواقف المختلفة من التظاهرات تعكس أهميتها وما خلفته من نتائج لحد الآن . وكذلك تعكس إن المعركة مع الفساد وإصلاح العملية السياسية ليست بالسهلة وهي تتطلب استمرار الاحتجاجات والتظاهرات وتوسيعها والاستفادة من تجربة كل يوم فيها والبحث عن القواسم المشتركة لقطع الطريق على المتربصين بها والوصول إلى أهدافها المرجوة .