المنبرالحر

الفساد ومافياته... هل تكفي معاقبة بعض المسؤولين عنه، وهو المهيمن كالأخطبوط ...؟؟ / عبد اللطيف السعدي

واحدة من مبررات وأسباب أو دوافع إنطلاقة التظاهرات الجماهيرية، وهي تعبر عن تراكمات غضب مكبوت وحزن شامل لما آل إليه وضع العراق، منذ العام 2003، هي آفة وأخطبوط الفساد الذي صار يشمل جميع، مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، وحتى أصغرها. فهل يكفي إعلان إبعاد أو إقالة، ومحاكمة الفاسدين المعروفين، والمخفيين منهم أوسع وأكبر....للخلاص من هذه الآفة؟؟.
مباشرة ودون تردد اصرخ بقولة كلا. بل وكلا، على أهمية ذلك كخطوة أولى نحو هدم جدرانه المحصنة حتى اليوم. فله (الفساد) حضور واسع وهو يغور في العمق في كل مرافق العمل والحياة، عمودياً وأفقياً، حتى وصل حداً ليشمل أناساً بسطاء في دوائر الدولة وخاصة تلك التي تمس حياة الملايين من أبناء شعبي، فهم يمارسونه يوميا وعلى مدى ساعات الدوام والمراجعات، وحتى في ما يفترض أنها اسعد اللحظات في حياة المواطنين، لحظات عقد قرانهم أو تلبية حاجاتهم في العلاج والحصول على أبسط الخدمات.
كل ذلك تحت ضغط الرغبة بالغنى السريع، الرغبة التي إنفلت عنانها مع نظام المحاصصات وتعزز توجهات المحسوبية والمنسوبية الطائفية والقومي والحزبية. أو تحت ضغط الحاجة لمضاعفة الموارد الشهرية، والمعبر بكل الأحوال عن سيادة اللاابالية والتفكير السطحي الأناني والشخصانية، التي اتسعت وسادت مع الأسف بسبب تراكمات ممارسات وسياسات النظام المباد، ثم عززت وجودها وجذور بقائها ترسيخ النظام السياسي على اسس المحاصصات الطائفية والحزبية بعد عام 2003.
إذا الفساد ظاهرة مافيوية أخطبوطية صارت تهيمن على كل شبكات الخدمات والمؤسسات، وقطعا استغلها من تملك السلطة والجاه في ظل النظام السائد منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا.
الفساد ظاهرة بدأت بذورها تتسع وتنتشر كالأورام السرطانية في مجتمعنا منذ سنوات السبعينات، وفي ظل دعاة القومية والبعثية الزائفتين، في زمن الطاغية، وبسبب حروبه وثم ما تركه الحصار الظالم الذي تعرض له شعبنا وأفقره من آثار، بدعم من سياسات الحكام حينها. وتراكمت كل مسبباته وتنوعت أشكال تجلياته على نطاق واسع خاصة سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
وعلى أساس هذا التراكم القبيح، وعلى قاعدة سياسات إفراغ شعبنا من قيمه التي نشأ عليها وواصلها طيلة سنوات من مسيرته الكفاحية المعروفة، حتى صار الجشع والسرقة نهج حياة دائمي، على هذا الاساس نهض السراق والفاسدون والمفسدون الجدد بعد عام 2003. ولكن بذور أو جذور الخير بقيت، وكانت المرأة العراقية، أماً وأختاً، وزوجة العامل الحاسم في صيانة المجتمع والإبقاء على أجيال حافت على أفضل خصال مجتمعما وأخلاقياته النضالية. كما كان لدور قوى تأريخية في نضالات شعبنا من أجل حريته وسعادته، دوراً في الإبقاء على تلك الاقيم والأخلاقيات، التي صار يؤمن بها شباب وشابات، دخلوا إلى معترك الكفاح في السنوات العشر الأخيرة، من ناشطين مدنيين رائعين، كان لي شرف اللقاء بالعديد منهم.
أقول سليم جداً وكخطوة هامة وربما حاسمة، في بعض الوجوه، إبعاد وتنحية ومحاسبة المفسدين الكبار منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا، في مسيرة قطع دابر الفساد المستشري. ولكن نهاية الظاهرة والخروج من دهاليزها المظلمة موضوعياً، يتطلب حلولا جذرية، بل يفرض علينا طرح مصير طابع النظام السياسي الذي تأسس بمساعدة المحتلين الأنانيين بإجرام.
وأقول وعلى أساس متابعاتي للكثير من مفاصل حياة مواطنينا ومن خلال تجارب خاصة بي في مؤسسات الدولة، أننا أمام مفترق طرق ... فأما بقاء أسباب تراكم دواعي ومسببات الفساد في الدولة والمجتمع، وما يؤدي إليه من حتميات الإنقسام والإنهيار... وإما السير قدماً ومواصلة الحركة الجماهيرية الواسعة لجماهيرنا المكتوية بنار الفساد والبطالة والحرمان من الخدمات والتصعيد السلمي والعقلاني، حتى إسقاط أصل البلاء المتمثل بنظام المحاصصات الطائفية والقومية، وخلق اسس سليمة لبناء دولة مدنية ديموقراطية حقّة. دولة للحقوق والمشاركة الشعبية في صناعة وتنفيذ القرارات المصيرية، وبعيداً عن عنجهيات التمثيل القومي والطائفي.