المنبرالحر

الصحافة الشيوعية .. تنظيم الجماهير من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية / زهير كاظم عبود

في الصف الخامس الابتدائي في العام 1957 قدم لي معلم اللغة العربية عددا من مجلة المعلم ، تضمنت تلك المجلة موضوعات متنوعة وقصصا قصيرة وجميلة جدا ، غير ان مالفت انتباهي بالإضافة الى القصص القصيرة قصيدة للشاعر مظفر النواب (مرينه بيكم حمد )، والتي اشتهر بها ، صار عندي هاجس البحث عن كتب القصص القصيرة ، وبقيت تلك القصيدة في ذاكرتي .
وحين صرت في المدرسة المتوسطة توسعت مداركي وإطلاعي على الكتب والمجلات بحكم عملي كعامل في مكتبة تبيع وتشتري الكتب القديمة ، بدأت استوعب معاني الحرية والحقوق والعدالة الاجتماعية ، وتبلورت تلك المفاهيم في عقلي بشكل اوسع وأكثر عمقا عند انتظامي في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي .كانت الجريدة السرية ، على صغر حجمها ودقة حروف كتابتها ، الشاشة العريضة التي نقرا بها احلامنا ومستقبلنا، فكانت موضوعات تلك الجريدة تدفع للمتابعة والمزيد من المعرفة والدفع لاستيعاب ثقافي ومعرفي انعكس على ثقافتنا المدرسية والشخصية ، وكان ايضا للمناهج الثقافية التي كان يعتمدها الحزب الشيوعي في ظروف العمل السري في حينها دور اساسي وبارز في تكوين عقليات مثقفة ومتعلمة من الأعضاء والأصدقاء.
كان استنساخ الجريدة طريقة من طرق الانتشار وسهولة التوزيع ، غير ان من يتم تكليفه بالاستنساخ كان يستوعب اغلب الموضوعات ويتباهى بمعرفتها وطريقة تبسيطها، ولعل من بين تلك المناهج التي الزمنا المسؤول بقراءتها ومتابعتها تلك المناهج الثقافية في مفردات الاقتصاد ومعرفة الديالكتيك ورأس المال والرأسمالية .
وحين حلت الثقافة الجديدة مطبوعا ثريا وغنيا بالموضوعات التي تضم اصداراتها ، كان لها دور كبير في التنظيم ونشر الوعي والثقافة الوطنية ، وفي تبسيط المفاهيم والمعاني السياسية والاقتصادية ، وبهذا نستطيع ان نستذكر تجربة تلك الفترات في العمل السياسي لنستل منها مايفيد المرحلة ، فاجيالنا القادمة امام العزوف عن المتابعة الثقافية والمعرفة بحاجة ماسة الى طرق تدفع لأغناء المعرفة ، فالمطبوعات السياسية خالية إلا من البحوث السياسية والتحليلات والمواقف وتفتقر الى القصص والموضوعات التي تغري الصغار والشباب بمتابعتها وقراءتها . خطط العمل الثقافي كانت مجدية وفاعلة ، ووضع منهج لمعالجة النقص المعرفي والثقافي لدى الجيل الحاضر امر ضروري ومهم ليس فقط في اغناء تجارب الثقافة الحزبية او السياسية ، بل هي موضوع مهم وضروري من اجل اعلاء كلمة الثقافة والفنون ، وسلوك الطرق التي تمهد السبل لترسيخ تلك المفاهيم الوطنية والإنسانية في عقل الصغار ، نحن بأمس الحاجة الى ثقافة تخاطب الاطفال وتدخل عقولهم قبل قلوبهم ، ونحن بحاجة ماسة الى ثقافة توجب ان الصغار تبحث عن مصادرها وعناوينها .
الالتباس الحاصل في الجيل الحالي لم يكن دون سبب ، والنقص المعرفي في الثقافة لم تكن وليدة الصدفة ، بل كانت نتيجة سياسة وتخطيط لزمن ليس بالقصير ، ولهذا يتوجب على صحافة الحزب الشيوعي بشكل خاص ان تتحمل عبء مسؤولية مزدوجة تتمثل في مواجهة هذه السياسة والمخططات التي سادت العقل العراقي ، وأيضا رسم اللوحة الجميلة التي توجب على الجيل القادم من الاطفال والشباب ان تبحث عن النهر الذي يروي ظمأها ولعله يساهم بشكل مباشر او غير مباشر باغناء العقل بالمعرفة واعتماد الحقائق التاريخية في سرد الموضوعات بكل اشكالها .
الاشكال يكمن في انقطاع هذا الجيل وهو الذي يقود المرحلة عن معاني الثقافة الحقيقية ، ولهذا فان معاني الحرية والحقوق الاساسية المنصوص عليها في الدستور من المعاني العريضة التي يتوجب على صحافة الحزب ان تركز عليها بأي شكل من الأشكال ، وأيضا التركيز على معاني العدالة الاجتماعية وتبسيط مفاهيمها ومعانيها خدمة للمجتمع ، وبهذا فان المطبوع المتنوع والهادف والداخل الى عقل الطفل والشباب يحقق نتائج ايجابية في المساهمة بخلق جيل متعلم وشباب واع من خلال تلك الخطط والمناهج .
ماقدمه معلم اللغة العربية شكل لي صورة مصغرة من صور ادخال المنهج الثقافي في عقل الصغير ، والمتابعة التي انتهجها الحزب في سنوات صعبة في التنظيم السري شكلت صورة نحن بأمس الحاجة الى استعادتها في هذه الفترة .
وهي مهمة ليست باليسيرة قطعا إلا انها ليست بالمستحيلة ايضا ، وعملية بناء الذات وترميمها مما لحقها من خراب نتيجة سياسة النظام البائد وأيضا نتيجة سياسات الحكومات المنفلتة التي حلت هي مهمة وطنية وتشكل ركيزة من ركائز العمل الوطني .
اجد ان دراسة تجارب الحزب الشيوعي العراقي السابقة في عملية الثقافة والتنظيم امر يتعلق بفهم ماتحتاجه الاجيال اللاحقة ، وان تتنوع الموضوعات في الاصدارات ، او ان تكون هناك اصدارات خاصة للشباب تتناسب مع مفاهيمهم ومداركهم ، وتعتمد التبسيط وتتوازن مع نسبة الأعمار أمر ضروري ومهم ن وكلنا ثقة في ان تلك التجارب التي مر بها الحزب الشيوعي لن تمر دون دراسة عميقة للاستفادة منها في زمن نحن احوج مانكون لهذه التجربة .