المنبرالحر

حين يصحو التاريخ...تبتهج الذاكرة / ئاشتي

«1»
يأخذك الصحو من رموش عينيك وأنت تتابع صفحات هذا العالم الافتراضي الجميل، والذي تختلف في تسميته، (فتقول عنه عالم الفرح وممارسة الديمقراطية بشكلها الافتراضي) وأنت تعرف منذ أن بدأت الثورة الاليكترونية مسحت من خارطة العالم كل الخطوط الحمراء، لهذا ترى نفسك مسحوبا من رموش عينيك وأنت تتابع ما يجري في مدن وطنك، ربما ستكون هي الصحوة التي ما بعدها صحوة، صحوة ستقلب عاليها سافلها، وكأنها تستعيد سنوات الصحو في تاريخ هذه البلاد، ثورات وانتفاضات واعتصامات وإضرابات، تضحيات ودماء وسجون وتشريد، حرمان وقتل وجوع وسهر، كان كل شيء يحدث دون أن تتنفس ذاكرة التأريخ صحوتها حتى ظن البعض أنها قد صدأت، تلك الذاكرة الجميلة في تاريخ شعبنا.
«2»
يقال أن ذاكرة التأريخ لا تعرف الصدأ، ولكن ربما تصاب بلحظة خمول تجعلها تضيع في مجريات الحدث اليومي، أو ربما تصطدم بحالة آنية فيخذلها مجال سيرها عن التواصل، لا تصاب بالصدأ لأنها من معدن يسمى الذاكرة الجمعية، والذاكرة الجمعية هي حالة متطورة في الوعي الإنساني قد تنمو بشكل بطئ، وقد يبدو للبعض أن وهجها قد أنطفأ، إلا أنها في الحقيقة بركان تتفاعل فيه كل مكوناته لكي ينفجر في لحظة لا يمكن تحديدها بسهولة.
«3»
كأن الزمن يستعيد لحظاته، هي ساحة التحرير نفسها تلك، يستعيد فيها النصب ذكرى ذلك الفنان الذي أبدعه، حكاية النصب التي يدوخ بها الفتى حين يقرأها من اليمين أي عكس ما يفترض وجودها، يستعيد النصب شخوصه بصوت مدو، يهدر مثل أمواج دجلة حين يفيض، هل سمع الحكام هدير دجلة؟ هل عرفوا معنى فيضانه وزمجرة أمواجه؟ أسئلة هي خارج الزمن بالنسبة للحكام مادامت تضع كراسي حكمهم قاب قوسين من محرقة التاريخ، والذي لا يرحم كل الذين تطاولوا على مجرى سيره.
«4»
تستفز ذاكرة التاريخ لكي ترتوي منها بكل خلاياك، فتعرض لك تاريخ هذي البلاد، انتفاضات شعبه وثوراته، انتفاضة 48، انتفاضة 52، انتفاضة 56، ثورة تموز 58، انتفاضة حسن سريع...يا لهذا الشعب الذي لا يعرف غير الانتفاض والانتصار لحقوقه، وقد حقق في كل هذه الانتفاضات غاياته، مثلما يحقق الآن غاياته في انتفاضته المجيدة، ليس له غير أن يأخذ قرص الشمس بيده ويقول لكل العالم، أن الشمس شمسنا في العراق هي التي تجعلنا ننتفض على حكامنا.
«5»
بغدادُ ضميني لصدرك مرة أخرى
لكي أغفو وأنسى
نزف جرح
كاد يقتلني هو المنفى
فما في العمر متسع
لنفي مرة أخرى،
وما للعين من سلوى،
سوى النخل الذي أهدى،
لدجلة فوق شاطئها،
ابتسامة عاشق جذلى.