تأخذك النشوة إلى عالم من الزهو والافتخار وأنت تسمعُ فتيةٌ بعمر الورد، يهتفون في جُمُعات الثورة البيضاء لعراق يحلمون به من قداح نارنج وقوس قزح، أو تراهم يتنفسون حريتهم وهم في حلقة رقص يرددون لازمة( يا الله يا الله كولوا يا الله وعلى الله انسوي الدولة مدنية) لأنهم يحلمون بحياة مثل بقية البشر في العالم، يحلمون أن يكونوا ضيوفا كراما على الحياة لا ان تكون الحياة ضيفا عليهم، يرتوون من جمالها بكل ما تمنحه لهم ظروف وطنهم، وهل هناك أكثر أمكانية من ظروف وطنهم؟ لهذا تراهم واثقين من أن الدولة المدنية وليس غيرها هي الت? تحقق لهم أحلامهم.

للصورة حين تكون واضحة المعالم تأثير أكبر من كل الكلمات. فتاة عراقية تصرخ بأعلى صوتها، تشعر أنت القابع في زاوية من زوايا العالم أن الصرخة وصلت إلى مسامعك، ربما تذكرت ريجيس دوبريه وهو يروي حكاية الإمبراطور الصيني الذي طلب من فنان القصر أن يخلصه من ضجيج الشلال في الصورة المعلقة في آخر الصالة. كان صوت الفتاة يعلو ويعلو ربما وصل أيضا إلى مسامع أصحاب القرار، رغم أن أغلبهم مصاب بالوقر. إلا أن صورة الفتاة وهي تصرخ ستفتح مسامعهم رغما عنهم.

لا ريب في أنك وكل الذين يحلمون أن الغد سيأتي بفجر جديد، يعرفون أن الكثير من أضغاث الأحلام ستمر على أعينهم، وربما ستقتل بعض تلك الأحلام الجميلة. إلا أن هذا المؤقت لا بد أن ينتهي ويصبح في لحظة ما هامشاً غريباً على حياة حلوة مثل ابتسامة طفلة. وهذه الأضغاث هي بسبب صناع الفساد لأنهم قادته مثلما هم المدافعون عنه. لهذا من الصعب أن يقفوا إلى جانب من يطالب بالقضاء عليه، سيستخدمون كل أحابيلهم وتفاهتهم وأرخص أساليبهم كي لا يرتفع الصوت المطالب بالقضاء على مصدر نهبهم لثروة الوطن. وسوف يصل بهم الأمر إلى سفك الدماء مادام?الأمر يتعلق بفضحهم وتعريتهم في محاكمات علنية.

تظاهرات الجُمُعات مستمرة وقرارات الإصلاح يبدو أنها أيضا تأتي تباعا، وليس لنا سوى الترقب والمواصلة. فليس أمام الحكام من علاج ناجع غير القضاء على الفساد الذي نخر كل خلايا الدولة، وان استمرار هذه التظاهرات ورفع سقف مطالبها كفيل بأن يجعلنا نشهد هذا العام ربما، خريف الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة.

أن تحلم،

ذلك أمر يشبه باقة ورد في يوم ماطر،

وأن تبصر في الحلم خطاك،

ذلك أمر يشبه أن يلتمَ العالم في كفيك،

لكنك حين ترى حلمك في ساحات التحرير،

ذلك أمر لا يقبل غير التغيير.