المنبرالحر

الشعب مصدر السلطات / قاسم السنجري

منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح وملاحقة المفسدين، يظهر في كل يوم عبر وسائل الإعلام زعماء واعضاء قوى سياسية، يشددون على ضرورة تنقية الأجواء السياسية وانهاء الخلافات بين هذه القوى المتنفذة خصوماً وحلفاء. غير أن الخلافات بين القوى السياسية هذه لا تعني المتظاهرين بشيء، وهذا ما لا تريد هي ان تعيه أو تفهمه.
إن الخلاف الحقيقي؛ هو بين القوى السياسية النافذة من جهة، والشعب العراقي من جهة أخرى. الشعب لم يعد يحتمل المزيد من افعال هذه القوى المنفصلة عن الواقع والتي عزلت نفسها عن الشارع واستحوذت على مقدرات الدولة ونهبتها، وأخذت تهذي بأمور غرائبية وتتوهم أموراً أقل ما توصف بأنها إمعان في اللا مبالاة تجاه ما يجري وسيجري في البلاد من أزمات تسبب بها خطل سياسي وانحراف كبير للعملية السياسية التي ارهقتها المحاصصة الطائفية والاثنية.
غير أن دعوات تنقية الأجواء بين القوى المتصارعة لا تأتي من فراغ، بل أنها (أي القوى السياسية) تحاول ان تجمع صفوفها مقابل صفوف الجماهير الغاضبة التي تنادي بالإصلاح، لتقوم بتعطيل الورقة الإصلاحية وتقف بوجه الجماهير بقوة. وهذا ما نراه جلياً في تعثر رئيس الوزراء في تنفيذ اصلاحاته وفق السقوف الزمنية التي وضعها، لأن رئيس الوزراء بالرغم من نواياه الإصلاحية لا يستطيع الخروج عن رأي حزبه وائتلافه وتحالفه السياسي، وهذا حال مرشح التسوية الذي تمنُّ عليه القوى بأن اختارته رئيساً للحكومة. فكيف تسمح له بضرب مشروعها من الداخ!
ليس غريباً أن تقوم القوى المتنفذة بوضع العصي في عجلات الإصلاح، كما أنه ليس غريباً أيضا أن تتعرض الاحتجاجات إلى محاولات تشويه تعبّر ليس عن إلغاء الآخر فقط، وانما تشكل جرس إنذار حقيقياً للتنبيه بأننا أمام نظام تقوده احزاب متعددة عاجزة عن إدارة عملية ديمقراطية سلمية.
ان الاحتجاجات المطالبة بمحاربة الفساد وتوفير الخدمات كانت اختباراً لهذه القوى في أن تستجيب لها وتتعاطى معها بحنكة سياسية لتقترب من مزاج الشارع. غير أنها فضلت البقاء في قصورها الرئاسية، وبدل الإصغاء لمطالب شعبية محقة، انساقت هذه القوى نحو القطيعة مع الجماهير وقذفها الاتهامات الباطلة والحجج الواهية حول دستورية الإصلاحات وتضاربها مع قوانين هم وضعوها بأنفسهم خدمة لمصالحهم الضيقة. متناسين أن الشعب هو مصدر السلطات، وهو من أوصلهم لهذه المواقع من اجل تقديم الخدمة للشعب. ولكن ما يحصل هو أن هذه القوى أبدت استعدادها ?تخوين كل من ينتقدها ويشير إلى مكامن الخطأ ويطالبها بإصلاح البلاد بعد الخراب الذي طالها طيلة أكثر من عقد من الزمن.
يبدو أن القوى المتنفذة لا تشعر بعظم الخطر الذي يتهدد البلاد جراء الأزمة الاقتصادية وانخفاض اسعار النفط في السوق العالمية، بقدر ما استشعره الناشطون المدنيون الذي تنادوا لإعادة هيبة الدولة وانقاذ البلاد من هوّة سحيقة يموت فيها الجائع ويجوع في من يملك قوت يومه في الوقت الحاضر، غير أن هذا كلّه بعيد عن العقل المتنفذ المتبلد جراء الإفراط في الشبع، وعدم الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق من يتصدى لخدمة الشعب والدولة.