المنبرالحر

ثَردِْ بصفّ الماعون / قاسم السنجري

على ما يبدو أن الحكومة دخلت في لعبة المقايضة مع المتظاهرين ولكن بمكاسب ليست كالتي يطالب بها ناشطو التظاهرات في جميع المحافظات، فالحكومة إذ توفر الأجواء الأمنية والسماح للمتظاهرين في خوض التجربة الديمقراطية، فأنها تطالب بعدم رفع سقف المطالب من قبل الناشطين، في حين تقبع المطالب المحقة في أدراج القوى السياسية النافذة التي تحاول وبشتى اساليب الضغط والنفوذ أن تجعل القرارات الاصلاحية مفرغة من محتواها.
إن من يطالب بعدم رفع سقف المطالب عليه أن يكون جادا في سعيه لتنفيذ مطالب مشروعة ومحقة. فمنذ الجمعة الأولى ومطلب ملاحقة الفاسدين واصلاح القضاء هو في رأس اولويات وهتافات الناشطين، ولكن كل ما يتخذ من قرارات ما هو إلاّ إجراءات تقشفية تتيح لرئيس مجلس الوزراء المناورة المالية في ظل ازمة اقتصادية ناجمة عن انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، وليست ضمن أولويات المتظاهرين.
ليس حرياً برئيس الوزراء ان يقايض المتظاهرين بإصدار تفويض كامل مقابل القيام بإجراءات اصلاحية، لأن واجبه يحتم عليه أن يصلح الاخطاء ويقوّم عمل الحكومة بما ينسجم مع الدستور، لا أن يطمح إلى التفرد بالسلطة وإلغاء السلطة التشريعة المتمثلة بمجلس النواب. إن السيد العبادي حين قدّم ما يعتقد أنه يدخل في باب الإصلاح؛ حصل على دعم الجماهير المتظاهرة بالرغم من وجود حواجز من عدم الثقة في وجود نوايا حقيقية للإصلاح. وهذا ما يمكن أن نلمسه على أرض الواقع في كون اصلاحات العبادي على بساطتها اصطدمت بالرافضين في داخل تحالفه السياسي، فضلا عن عدم الرضا الواضح من شركاء حكومته.
إن التصادم بالمصالح الحزبية الضيقة لحلفاء وشركاء العبادي، جعله واقعاً تحت تأثير ضغوطهم، وهو كي لا يخسر الشارع اخذ بإصدار قرارات أشبه ما تكون بالثرد في جانب الصحن وليست في صلب اصلاح مؤسسات الدولة. الأمر الذي قد يدفع بالناشطين إلى تصعيد سقف المطالب واللجوء إلى أساليب احتجاج سلمية أخرى اضافة إلى التظاهرات التي يراد تحويلها إلى مهرجان تأييد اسبوعي لإصلاحات ما زالت حبراً على ورق، وقد لا ترى الكثير من إجراءاتها النور وتظل حبيسة أدراج وملفات مجلس الوزراء، أو مجرد اخبار تتناقلها الصحف والفضائيات عن اصلاح مزعوم.
إن اهمال مطلب اصلاح القضاء والتمترس وراء حجج واهية في اغفاله، يشير وبقوة إلى أن الحكومة والقوى المتنفذة فيها غير راغبين في تقديم المفسدين إلى قضاء نزيه وعادل، لذا نلاحظ صمت جميع هذه القوى بما فيها الحكومة عن الدعوة وبقوة لمجلس القضاء الأعلى بتحمل مسؤولياته في الإصلاح الحقيقي، سوى بعض الدعوات الخجولة من قبل رئيسي الجمهورية والوزراء. وإن الإصلاح المطلوب لا يقف عند إصلاح القضاء ومؤسسات الدولة الأخرى، بل إن الإصلاح الحقيقي يجب أن ينطلق من اسلوب تعاطي القوى السياسية مع المطالب الشعبية، لا أن تعمد إلى المخاتلة والحديث في العلن بغير الحديث في السر.