المنبرالحر

تراجيديا الازمات وثورة الجياع!! / عصام الياسري

منذ اكثر من اثني عشر عاما، ونحن نقف امام مشهد سياسي اقتصادي اجتماعي دراماتيكي مليء لعقود بالخوف من المستقبل كأنما يكون الثابت في حال العراق وحياة العراقيين. تراجيديا الموت والدمار والنهب والنصب والكذب والتهريج والخداع الذي لم ينته ولم يتوقف عند حد بسبب توغل الفساد السياسي. نصطدم كل يوم بأزمة تلو الاخرى، اكثرها تعقيداً، منظومة القضاء والفساد المالي والاداري الذي اوصل البلد الى طريق مسدود. مئة بالمئة، نتيجة عمل من تصدروا بالصدفة زمام السلطة وهم لا يتقنون السياسة ولا خبراء فيها، كما لا يفهمون في شؤون الدولة والحكم وما الفرق بين النزاهة من عدمها، بين العدل والظلم، الشروع والمشروع. بين الفشل والنجاح الذي يحتاج رجال أشداء مخلصون بمقدورهم قيادة البلد نحو الاصلاح والتغيير، لا دماره وتفتيت مجتمعاته وتهديم مؤسساته وبنيته التحتية وايصال الاجيال القادمة الى حافة الهاوية، تعيش حياة سيئة جداً لا مستقبل فيها.
اكاد اجزم بان جميع الذين تسلقوا المناصب في الدولة العراقية من ابسط الوظائف حتى رأس الهرم الرئاسي ومنذ اول مجلس حكم شكله الحاكم بأمره بريمر ولغاية اليوم، إلا حالات استثنائية نادرة، هم لصوص اثروا على حساب الشعب وارتقاء حياته. لا بل أن ما يعرف برؤساء "مافيات" الاحزاب والكتل، اسلامية أوعلمانية، عربية كانت ام كردية، هم وذويهم جزء مهم في ادارة عمليات الغش والنهب والسرقات وابتكار اساليبها، ولا استثني أصحاب العمائم الذين انتحلوا المنسوبية عن ماضي لا شأن لهم فيه بغرض استثماره لاطماع شخصية ومصالح نفعية.
أن حماية الدولة كدولة وليس حماية الحكومة شأناً وطنيا حصرا، وعلى النظام السائد للدولة ان يرعى قانونيا وقضائيا مبدأ احترام حقوق الشعب وسيادة الدولة ذاتها، وعلى الحكومة اي حكومة ان لم تقوم بذلك عليها ان ترحل. واذا ما ترهل النظام فان مسألة اصلاحه تبقى مسألة لا مفرمنها ولا تقبل الجدل، على المؤسسات القائمة على حمايته اتخاذ التدابير لمعالجته من الاساس. وان كان ثمة مسؤول كالعبادي يريد حقا التغيير والاصلاح، فعليه اختيار الآليات الناجعة لتحويل حزم وقرارات الاصلاح التي انتظرها المجتمع العراقي الى واقع ملموس في الاتجاه الصحيح وفي فترة زمنية قياسية وان لا يماطل او يتماها. من جانب آخرعلى المتظاهرين ان يضعوا سقفا زمنياً لتحقيق مطالبهم الشرعية واهمها اصلاح القضاء ومحاربة الفساد والمفسدين. كما وعلى الحراك الشعبي الذي حول التظاهرات منذ آب 2015 الى" ثورة جياع" ان يكون حذراً من الاعيب مافيات السياسة وان لا يتوقف عن النزول بالملايين للشارع في جميع المحافظات حتى ينهي الفصل الأول من تراجيديا الموت والظلم.
لا العبادي كمسؤول أول في الدولة ولا غيره ممن في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية يريدون حقا الاصلاح والتغيير وتقديم المفسدين للعدالة. ولم يعنيهم أصوات المتظاهرين في الساحات العراقية والتي أيدتها المراجع الدينية العليا ودفعت بمطالبهم دفعاً قويا نحو الواجهة لمحاربة الفساد واصلاح القضاء. واذا ما اخذنا تصريح العبادي نفسه ردا على دعوة المتظاهرين للاستقالة من حزبه "الدعوة" طالما كان رئيسا للوزراء، قائلا: بأنه لن يستقيل من الحزب ولا يريد ان يفرط بالاتلاف الوطني الذي ينتمي اليه حزبه، فاننا سنكتشف مدى استخفاف هؤلاء بالمجتمع العراقي واصرارهم الاستمرار على ذات السلوك في الخداع والدجل لمؤانسة مصالحهم الشخصية دون سواها!!
واذا كان العبادي يتأرجح بين تعاطفه مع المتظاهرين ومطالبهم من جهة، وبين عدم استطاعته المضي لتحقيق حزم الاصلاحات التي اطلقها منذ اسابيع من جهة اخرى، فعليه اما ان يخرج على العلن امام الشعب ليوضح موقفه وطلباته بشكل صريح لا لبس فيه، أو ان يرحل بعد ان يوضح اسباب ذلك ليعرف الشعب ما يجري في دهاليز الحكم ليقرر مصيره. وليعلم انه في كلا الحالتين سيكون المسؤول الاساس عن نجاة العراق واهله، أو ما ستؤول اليه الاوضاع من مواجهات قد يشتد ازيزها فتلحق الاذى بالجميع وأولهم الوطن.
ويبدو ان هناك مخططا مجهول المعالم يدور بين اروقة السلطات الثلاث والرئاسة، لشل المظاهرات والحد من شأنها وملاحقة واعتقال نشطائها في كافة المحافظات.
الحذر.. الحذر يا عبادي من غضب الثورة وقهر الجياع، فالمحيطين من حولك سيجهزون عليك قبل ان تستأثر بهم. انما اهتدي بالفعل لا بالقول ولا تفلت الفرصة من يديك وتقطع حبل النجاة.. الشعب!!