المنبرالحر

إصلاح الإصلاحات / قاسم السنجري

منذ أن اعلن رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي نواياه الإصلاحية عبر قرارات وضع لها سقوفاً زمينة، وإقرارها من مجلس النواب، قبل شهر تقريباً، وهو يستهلك وقتاً طويلاً للدفاع عن اصلاحاته والشكوى من الحلفاء المؤيدين لها علناً والمعرقلين بالسر دون ان يتقدم خطوة واحدة في الشروع بإصلاحات عميقة تمس جوهر المشكلة الكبيرة التي تعاني منها الدولة. غير أن السيد العبادي اذا سلّمنا بحسن نواياه عليه أن لا يُخدع بتصريحات الحلفاء، فهو يدرك جيداً أن المتضررين من الإصلاح ليسوا بعيدين عن الدائرة القريبة منه سياسياً وحكوميا، وكما يقول الشاعر معروف الرصافي: «لا يَخدعَنْكَ هُتافُ القومِ بالوَطَنِ .. فالقومُ في السرِّ غيرُ القومِ في العَلَنِ»، فما تعلنه القوى المتنفذة من استجابتها للإصلاح ليس سوى ترويج إعلامي، في الوقت الذي تغرس مخالبها بكل ما أوتيت من قوة بكراسي السلطة ووزاراتها التي نالتها وفق المحاصصة الطائفية والأثنية، ومن دون أن تقدم مفسداً تابعا لها أو محسوبا عليها إلى القضاء الذي يحتاج إلى إصلاح جذري هو الآخر في حين تتكاتف جهود القوى المتنفذة لإبعاد القضاء عن أي حركة اصلاحية تطيح برئيس مجلس القضاء الأعلى، في عملية تضامن تثير الاستغراب والاستهجان.
إن اصلاحات العبادي تعاني من تعثر وخمول، بل أخذت تبتعد عن مطالب المحتجين وتأشيرهم لمكامن الخلل في بناء الدولة، حيث دخلت المجاملات السياسية والخشية على خسارة الحلفاء واثارة الخصوم على خط الإصلاحات، واخذت تستثني هذه الجهة، وتغض النظر عن تلك الجهة لأسباب غير مقنعة، فيما يطل علنا رئيس الوزاء شاكيا وملوحاً بكشف الجهات المعرقلة غير أنه سرعان ما يركن إلى الصمت ويكتفي ببيانات تؤكد سعيه إلى المضي في تنفيذ الاصلاحات.
إن النوايا الطيبة لا تصنع دولة مؤسسات، وهي ليست كافية لاستعادة اموال البلاد التي تناهبهتا القوى المتنفذة «قرائباً وحبائبا». وكان حرياً بالسيد العبادي أن لا يتوقف في اول الطريق بعد أن أربكت قراراته الاصلاحية القوى المتنفذة. فالتوقف المريب هذا يضع علامات استفهام كبيرة على نواياه الحقيقية وحقيقة الإصلاح الذي نادى به وشرع في اصدار قراراته. واذا ما خضع لإرادة القوى المتنفذة فستكون قد نجحت في تطويقه ومنعه من اصدار قرارات اصلاحية كبيرة تلبّي مطالب جماهير الشعب المحتج من بغداد إلى البصرة.
شهر كامل سيمر على اقرار القرارات الإصلاحية التي ارسلها مجلس الوزراء إلى مجلس النواب، الذي اخذ على عاتقه أيضا اصدار حزمة اصلاح برلماني تعثرت هي الأخرى وانكشفت صدقيتها في أول أختبار لرئيس البرلمان الذي لم يستطع اتخاذ قرار حازم بشأن المتغيبين الدائميين عن مجلس النواب. فيما ظل رئيس الوزراء لا يفارق الشكوى من جهات تعرقل اصلاحاته التي في الأصل لم تلامس جرحاً ولم تسهم في علاج الاقتصاد العراقي المتدهور، وقد تحتاج إلى الإصلاح. فيما تشير مصادر حكومية الى ان الحكومة ستقف عاجزة في الأشهر المقبلة عن توفير رواتب ثلاثة ملايين موظف اذا استمر هبوط اسعار النفط.