المنبرالحر

جدل المطلب والشعار في تظاهرات الحراك المدني / أحمد محمد الموسوي

أبرز ما لفت انتباهي في ساحات التظاهرات الجماهيرية المطالبة بالإصلاح مؤخراً هو محاولة بعض وسائل الإعلام الفضائي عرض وجهات نظر متطرفة لمتظاهرين بسطاء تعليمياً ويفتقرون بشكل واضح لما يؤهلهم للإدلاء بآراء سياسية تصف واقعاً معقداً بعض الشيء، وتصل مطالباتهم في أحيان حد اسقاط النظام. والغريب أن هذه الفضائيات تحاول تمرير هذه التصريحات بصفتها المعبر الحقيقي عن مطالب جمهور المتظاهرين.
هذا الواقع هو ما يدعوني للخوض في قضية «الشعارات» المرفوعة في هذه التظاهرات وتبيان جدلياتها والفوارق بينها في الرؤى والغايات، وسأكتفي بما رصدته عدسات الملاحظة المباشرة في ساحة مجسرات ثورة العشرين في النجف على مدى أكثر من جمعة للتظاهر.
- معظم الشعارات كانت مكتوبة على ورق كارتون صغير بخط بسيط يُنفذه في أكثر الأحيان المواطن رافع الشعار نفسه، فيما القليل من هذه الشعارات مكتوب على لافتات فلكس كبيرة وصغيرة أو على قطع قماش بأحجام مختلفة. وهذا يؤكد فكرة عفوية التظاهر من جهة وعدم ارتباط معظم المتظاهرين بجهات حزبية أو مؤسساتية، مع أن هذا لا يمنع بالتأكيد من وجود ممثلين لهذه الجهات، لكننا نتحدث عن الصفة الأغلب داخل ساحة التظاهر.
- شهدت هذه التظاهرات نمواً مضطرداً - أفقياً وعامودياً - في نوع وكم الهتافات والأهازيج وطريقة إلقائها داخل المجاميع، إضافة إلى تقديم بعض العروض (المسرحية) الخفيفة والقصيرة والاستعراضات التي أضفت جواً من المتعة والبهجة على أمزجة المتظاهرين. وهنا تبرز الحاجة إلى تنمية هذه الفعاليات من باب التشويق والجذب للجمهور وإدامة زخم التظاهر.
- هناك شعارات تتوجه إلى الشأن المحلي - في ما يخص المحافظة - وأخرى تتوجه إلى الشأن الوطني. ونستطيع أن نسجل في هذا الجانب غلبة الشعارات الوطنية منها على المحلية، ربما لأن العديد من القضايا المحلية قد يجدها المواطن متضمنة في الشأن الوطني العام. ومن الملاحظات على الشعارات المحلية أنها متبناة - في معظمها - من مجاميع يحركها سياسيون محليون متخاصمون، وهي في مجملها تعكس الصراع بين مجلس المحافظة من جهة والمحافظ من جهة أخرى، وكان السباب واحداً من أبرز سمات هذه الشعارات.
- لم تؤشر الساحة رفع صور شخصية لزعماء سياسيين سوى صورتين إحداهما لرئيس مجلس القضاء الأعلى عليها رمز «حظر» تطالبه بالاستقالة ومن دون خدش في اللياقة، والأخرى لرئيس الوزراء السابق مطالبة بمحاكمته رسمت بطريقة كاريكاتورية، وكان واضحاً من نوعية هذه الصور المطبوعة بعناية على «فلكس» أن من يقف وراء رفعها ليس مجرد مواطن بسيط.
- كان للعلم العراقي حضور طاغٍ على طول وعرض الساحة بلا منازع وبجميع الأحجام. مما يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً حول غلبة الطابع الحيادي للجماهير بين أحزاب السلطة المتصارعة، وعدم الرغبة في زج المظاهرة بهذه الصراعات.
- بالإجمال نستطيع أن نصنف الشعارات المرفوعة في الساحة إلى صنفين رئيسين يتدرجان بدورهما في طيف مختلف آخر من الألوان. هذان الصنفان هما؛
- شعارات تطالب بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد؛ وهي الأغلب والأوضح يرفعها جمهور المدنيين ونخبهم الثقافية، تنبذ الطائفية والمحاصصة وتدعو لبناء الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية وإصلاح الجهاز القضائي، وكان أبرز هذه الشعارات وأكثرها تأثيراً في الجمهور شعار (باسم الدين باكونه الحرامية).
- وشعارات راديكالية تطالب بقلب جوهر النظام، داعية لهدم مؤسسات الدولة، من قبيل المطالبة بحل مجالس المحافظات، وتعليق العمل بالدستور أو إلغائه، وحل البرلمان وتغيير النظام إلى رئاسي .. الخ. وقامت مجاميع حزبية أو مدفوعة من أحزاب موتورة برفع هذه الشعارات والترويج لها بين المتظاهرين وفي وسائل الإعلام المختلفة. وتبنت هذه الطائفة من المتظاهرين بشكل محدود شعارات انتقامية عنفية رفعت فيها حبال مشانق كرمز لعقوبة الإعدام ولافتات طالبت به جزاء للفاسدين.
ورغم أن الصنفين من الشعارات آنفي الذكر يشتركان بشعار محاربة الفساد إلا أن كلاً منهما تناول الموضوع من جهة أهدافه وغاياته وارتباط الأمر بمصالحه، أو بمن يريد التنكيل ومن يرد أن يحمي.
مما تقدم نخلص إلى أن التناقض الأبرز في ساحة التظاهر كان بين جمهور المدنيين المطالبين بالإصلاح واسقاط نظام المحاصصة الطائفية، وبين جمهور الأحزاب المتصارعة في داخل كابينة السلطة، والمتصيدين في بحر الحراك الاحتجاجي لغايات حزبية وطائفية ضيقة، حاولت في بعض الأحيان جر المتظاهرين لأعمال عنف أو لسحب بعضهم خارج مكان المظاهرة المتفق عليه، أملاً في شق وتفتيت المتظاهرين، مما يدعو إلى الانتباه والحذر والعمل على إيجاد حالة توازن بين هدف استقطاب الجمهور وتوسيع دائرة المناصرين، وحالة الانجرار وراء نوايا خبيثة تسعى إلى ضرب المظاهرات من الداخل.