المنبرالحر

"مجلس قضاء" الغابة / ابراهيم الخياط

ثمة أسماء مشرقة في القصة العراقية، لم تغادر مدائنها لكنها تألقت في بغداد، وغطت هالتها خارطة البلد، وصار صعبا ان نقرأ المشهد الثقافي دون المرور على هذه الأسماء المتلألئة، ومنها اسم القاص حامد فاضل.
هو قاص ومترجم من السماوة، يعمل في مجال التدريس، صدر له من المجاميع القصصية: حكايات بيدبا (بغداد ١٩٩٤)، ماترويه الشمس.. مايرويه القمر (بغداد ٢٠٠٤)، المفعاة (دمشق ٢٠١٠)، مرائي الصحراء المسفوحة (دمشق ٢٠١٢). وستصدر له مجموعة: ألف صباح وصباح. وسبق أن نال جوائز عدة، آخرها جائزة الإبداع من وزارة الثقافة سنة ٢٠١١.
من جميل ما قرأت له، حكاية .. حتى لو كانت فولكلورية الأصل، فله أجر إخراجها من قمقمها. وكم من قاص نبش ألف ليلة وليلة ليستلهم ويعرق ويقصص ويمسرح ويبدع أيما إبداع.
مر النمر بضائقة مالية، فذهب ليقترض من الأرنب. وافق الأرنب على إقراض النمر ولكن بشرط أن يتنازل النمر عن هويته للأرنب. استغرب النمر وسأله:
- ما تكلي شلك ابهويتي؟
أجابه الأرنب:
- أريد أتفيك بيها كدام الجماعة، وأكلهم آني نمر وهاي هويتي، واللي يكول عليه أرنب راح يعرف شنو مصيره.
ضحك النمر وقهقه من فكرة الأرنب، لكن لم يكن له مناص من الموافقة لأنه بحاجة الى المال ولا خيار آخر امامه، واعتبرها «ولية مخانيث».
مرت أسابيع، ووصلت الى النمر حوالة من غابة أخرى، فتنفس الصعداء ومن ساعته أخذ مبلغ الدين وذهب الى الأرنب، وخاطبه:
- عيني أرنوب، آني أشكرك وممنون إلك وخلف الله عليك، وهاي فلوسك أغاتي وفوكاهه بوسة وانطيني هويتي.
فأجابه الأرنب:
- انته من كل عقلك اتريدني أرجع أرنب بعد ما صرت نمر، روح بابا روح لشغلك.
أدار ظهره للنمر وراح يمشي متبخترا متبوعا برهط من أقرانه، فيما صعق النمر لما سمع. ومن صدمته راح يسير في الغابة على غير هدى، يتحدث مع نفسه وهو غير مصدق لما رأى وما سمع، فكر وفكر وفكر كثيرا وضاقت عليه الغابة. ولما استحكمت عليه دائرة الضيق إذا بها تفرج: جاءته فكرة استحسنها وفرح بها فرحا كبيرا. نعم، سيشتكي، ومن ذا الذي يعرف النمر أكثر من الأسد؟ نعم سيذهب الى مجلس القضاء، حيث القضاة الأسود وحيث الليث الأبيض هو الرئيس.
مشى مسرعا، ولما وصل ودلف الى المحكمة تسمر أمام القضاة وعقدت المفاجأة لسانه، فصرخ به كبيرهم:
- اشبيك اتخورست، ما تحچي، شنو مظلوميتك؟
أجاب النمر بصوت مرتعش:
- هذا مو مجلس القضاء؟ لو آني متوهم.
فقال كبيرهم:
- لا ما متوهم، هذا مجلس القضاء.
فقال النمر وهو محتار:
- عمي لعد وين السباع؟ شو انتو ثيران كاعدين ابمكانهم.
هنا أجابه كبيرهم باتزان وثقة بعد أن أخرج شيئا من جيبه:
- ابني، هاي هويتي تثبت لك آني أسد.