المنبرالحر

الوقائع !/ يوسف أبو الفوز

كان أبو جليل يهز رأسه ليعبر عن اهتمامه، وأنا أتابع قراءة عناوين الأخبار من حزمة الجرائد التي احملها معي في كل مرة خلال زياراتي الدورية لبيت صديقي الصدوق أبو سكينة. كانت زوجتي تبتسم بتآمر وهي تراني أتعمد قراءة أخبار عن أحداث بعيدة عن الشأن العراقي، أخبار فنية واجتماعية من أنحاء العالم. كان الجميع ينصت باهتمام لما اقرأ إلا أبو سكينة الذي بدا سارحا بعيدا عن الجميع.
عند وصولي كان التلفزيون يعرض من إحدى الفضائيات تقريرا عن حالة التدهور الأمني في البلاد، وموجة التفجيرات التي اجتاحت بغداد والعديد من المدن العراقية، وعلاقة ذلك بالأزمة السياسية المتواصلة وتردي الخدمات الاساسية، وفي مقدمتها الكهرباء وعدم انتظام توزيع مفردات البطاقة التموينية وازدياد معاناة الناس تحت تأثير وضغوط كل هذه الأزمات والإخفاقات. حاولت لفت انتباه أبو سكينة برفع صوتي أثناء القراءة، وكان خبرا عن مشروع إنتاج فيلم جديد يجمع بين شخصيتي سوبرمان والرجل الوطواط معا لأول مرة، بعد أن ظلت كل شخصية منهما تظهر منفردة في مغامرات خاصة بها سواء في السينما أو في المجلات المصورة.
التفت لي أبو سكينة بهدوء مريب وقال لي:»يعني خلصت كل الأخبار وما بقى الا اخبار الوطواط، والله لو أن مرتك ما موجودة كان سمعت غير كلام ، بس انشاء الله رب العالمين يوطوطك ويخلصني منك».
ومع الضحكات التي تصاعدت أضاف «اعرف ان اختيارك لهذه الأخبار حتى ما نسألك عن عدد الشهداء والجرحى لهذا الشهر؟ عن عمليات إغلاق المقاهي بالقوة؟ عمليات التهجير في ديالى واختلاط النزاعات العشائرية بالطائفية؟ أخواننا التركمان في طوزخورماتو وشلون صفت بيهم الدنيا؟ الجديد عن مهاجمة سجنيّ التاجي وأبي غريب المحصنة، وهروب اكثر من 500 سجين، بينهم من الرؤوس الكبار للإرهابيين؟ وماذا يقول المسؤولون عن كل هذا؟ أنا اعرف جيدا خوفك على صحتي، بس فعلك هذا، وأنت تقرأ اخبار الوطواط، كأنك تتستر على فضائحهم، لأن الوقائع يا إبني تختلف عن تصريحاتهم ووعودهم، وهذا بالضبط مثل صاحبك المرشح الغربي، أتذكر ماذا قال للذين انتخبوه؟».
وهذه كانت ـ يا عزيزي القارئ ـ حكاية عن سياسي غربي رشح نفسه لإعادة انتخابه. فتحدث في أحد المحطات الانتخابية قائلا: «يصفني خصومي بالكذاب والمدعيّ، فأرجو أن تطمئـّنوا بأني لم اكذب عليكم يوما، المشكلة الوحيدة هي أن الوقائع على الأرض لا تتطابق دائما مع ما أقوله!