منذ الجمعة الاولى عندما تشكل الحراك الشعبي لإرادة منتفضة ضد الجور والفساد والإرهاب والطائفية والمحاصصة ، والتطلع الى عراق مدني يسود فيه الامن والأمان والقانون .. عراق عابر للطوائف بكل اشكالها , معزز ومرسخ لقيمه الثقافية والديمقراطية .. عراق العدل والمساواة , الذي كأنك تراه في الجموع الهاتفة وقد كشفت المستور وفضحت المحاصصات السياسية التي اعتاشت على الفساد وأهدرت دماء الشباب.

هذه الجموع وكأن هديرها يقول :

أمَن يروم شموسها أشرق بها

غياثة في كل ليلِ مظلمِ

فما ان هبت وارتفع علم العراق في ساحة الحبوبي (مركز مدينة الناصرية) تجاوره الشعارات واللافتات "خبز وحرية .. دولة مدنية .. لا للطائفية مطلبنه" ... في حين ترتفع لافتة اخرى وسط الساحة كتب عليها "حشد ضد الارهاب وحشد ضد الفساد".

اتحاد ادباء وكتاب ذي قار يشارك ويطالب بتأمين الحقوق المدنية والاقتصادية والثقافية ومحاسبة المفسدين . وقد التفَ الادباء والمثقفون والفنانون في الهتاف: "عراق حر مطلبنه" .

وانت تلتفت يساراً تشاهد حضوراً مميزاً للمرأة بتشكيل ولافتات وهنَ يتشحنَ بالعلم العراقي ويهتفنَ :

خبز وحرية .. دولة مدنية .

ام انور تقول ردا على سؤالي عما تريد المرأة وهي تحمل هذا الشعار:

الدولة المدنية هي دولة المواطنة وهي ضمانة للدين وحق العبادة والحقوق الانسانية الاخرى خصوصاً حقوق المرأة، لذلك نحن هنا نهتف لها وضد الفساد والطائفية وانتهاك حقوق المرأة ...

ثمة طفلة ترافق امها وتحمل لافتةً صغيرة كتب عليها " ضاع مستقبل ابي فلا تضيعوا مستقبلي" ...

شباب تهتز الارض تحت اقدامهم يطوفون حول حديقة تمثال الحبوبي ويهزجون

"باسم الدين باكونه الحرامية". حييتهم بصوتِ لا يعلو على اصواتهم: أهلاً بالشباب رجال المستقبل وحماة العراق. أحدهم كان يقف بجانبي. سألته: لماذا لست معهم؟ قال: كنت معهم ورأيتك ايها العم وجئت لألقي التحية ( هو ابن أحد ادباء المدينة ). رحبت به ودار الحوار التالي بيننا :

- بماذا تهتفون ؟

- ألم تسمع " باسم الدين باكونه الحرامية" .

- وماذا بعد ؟

- ذي قار ما تسكت بعد / جمعة وره جمعه .. والفاسد نطلعه

- أجل سيحال المفسدون للقضاء .

- بعد اصلاح القضاء عمو !!

سألته بخبث : هتافكم " باسم الدين .." يزعج بعض الناس، فماذا تقول ؟

- والله يا عمو لا يزعج هذا الهتاف سوى المفسدين وهناك منهم من يحاول خلط الاوراق ويسعى الى الاساءة للتظاهرات مدعيا انها ضد الدين ..

- وهل هي كذلك برأيك ؟

- لا عمو، نحن في تظاهرة سلمية ونطالب بالإصلاح واذا هتفنا "باسم الدين باكونه الحرامية" فهذا يعني اننا نطالب الجهات الدينية ان ترفض وتلفظ من لبس لبوسها وسرق اموال الشعب. نحن بذلك نصون الدين من عبث المفسدين ونذود عن حقوقنا الانسانية ..

رأيت بين الحشود وجوها مناضلة ضد الطغاة والظلم والجور من الذين قارعوا انظمة الدكتاتورية السالفة , ذاك ابو خالد المعلم (عبد الله ناصر) وهذا عقيل حبش يرفع لافتةً (الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة) .

سألته : انت في التظاهرات رغم كبر السن والمرض !

أجابني : انا استعيد العراق مع شعبي ..!

قطع حديثنا حشد يتجه نحو وسط الساحة بزي اسود يتشح بشريط اخضر لا يرتديه الا المحامون وهم يهتفون بالتغيير ومحاسبة المفسدين وإصلاح القضاء , يتبعهم حشد آخر وقعت لافتته "جمعية الحقوقيين" مما ذكرني بحضور وأهازيج "جمعية الاقتصاديين" وهم يهتفون باسم العراق الموحد. وفي جانب آخر عدد من عوائل شهداء سبايكر يحملون لافتات تدين التخاذل والخيانة وتطالب بمحاسبة المفسدين والخونة. عدد كبير من الاعلاميين وبعض الفضائيات يلتقون بالمتظاهرين ويلتقطون مشاعر الاحتجاج والغضب الشريف على ما حل بالعراق من كوارث , وثمة مكبرات صوت يصل صوت?ا ويمكن لابن المدينة ان يميز اصحابها. انها هتافات ابناء المدينة المعروفين من رياضيين ونقابيين، يرافقهم الفنان ماجد الصياد بأغانيه الوطنية الفاصلة بين هتاف وهتاف .

الصم والبكم لهم لافتتهم:

"لسنا صماً وبكماً باختيارنا ... لماذا انتم صم وبكم باختياركم

بإرادتنا سنسمعكم صوت العراق"

وحينما حل موعد المغادرة بعد نزول الظلام رأيتهم في نقاش حاد حول أمر ما بلغة الاشارات، ربما هو حوار حول الخطوة التالية ..

ولربما ينام شارع الحبوبي هذه الليلة على صدى هديل الهتافات، حيث يقول الحبيب للحبيبة:

تنام الشوارع وأنتِ معي

تطرقين باب الشجن

أقول احبك ...

تقولين الوطن ..